للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنْ جعلْتَ معنى قوله: {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} مِن اللَّه تعالى فمعناه الإنكار؛ أي: أنكرْتَ أنتَ مِن هؤلاء كذا، فقد أنكرَ اللَّهُ منهم قولهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا}.

وكشفُ هذا الكلام: أنَّ العجبَ منَّا يكون في موضعَيْن:

في الإساءة ممَّنْ يلزمُه الإحسان، فتقول: عجبْتُ مِن فلانٍ؛ أحسنْتُ إليه طولَ الزمان (١) فأساءَ إليَّ! وهو غايةُ الكراهةِ والإنكار (٢).

وفي الإحسان ممن كان لا يُتوقَّع منه ذلك، فتقول: عجبْتُ مِنْ فلانٍ قامَ بأموري وأحسنَ إليَّ، وما كان منِّي إليه شيءٌ يقتضي ذلك! ويكون ذلكَ غايةَ الرِّضا والحمد.

فوردَتْ هذه اللَّفظة في هذَيْن الموضعَيْن في صفةِ اللَّه تعالى على إرادة هذَيْن المعنيَيْن، قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ تعالى ليعجَبُ مِنَ الشَّابِ ليسَتْ له صَبْوة" (٣)؛ أي: يرضى عنه غايةَ الرِّضا.

وقال في هذه الآية: {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}، وقال في (سورة الصَّافات): {بَلْ عَجبْتُ


(١) في (ر) و (ف): "الدنيا".
(٢) "والإنكار" ليس في (أ).
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١٧٣٧١)، وأبو يعلى في "مسنده" (١٧٤٩)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٧/ ٣٠٩)، من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه. وحسن إسناده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٢٧٠)، وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (٧/ ٤٥١): رواه الحارث وأبو يعلى وأحمد بن حنبل ومدار أسانيدهم على ابن لهيعة، وهو ضعيف.
قلت: عبد اللَّه بن لهيعة وإن كان سيئ الحفظ، لكن الراوي عنه هنا هو قتيبة بن سعيد، وقد مشَّى بعض أهل العلم حديثه عن ابن لهيعة، وذلك لأنه كتب أحاديثه من كتاب ابن وهب ثم سمعها من ابن لهيعة، وكان ابن وهب ممن سمع منه قديمًا قبل اختلاطه واحتراق كتبه، كما أن للحديث شاهدًا من حديث أبي هريرة عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ٦٩). فهو حسن كما قال الهيثمي، واللَّه أعلم.