للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}: أي: إنَّ الكفَّارَ وإنْ دعوا مِن دونِ اللَّهِ دعوةَ الباطلِ، وامتنعوا مِن دعوةِ الحقِّ، فكلُّ مَن في السَّماواتِ والأرضِ مِن الملائكةِ وبني آدمَ والجنِّ والشَّياطين يسجدون للَّهِ؛ إمَّا طائعِيْن، وإمَّا كارهِين، وظلالهم تسجدُ له بالغَدواتِ والعشايا.

والآصال: جمعُ أُصُلٍ، والأُصُل: جمع أصيل، وهو العشيُّ، وهو ما بينَ العصرِ إلى غروبِ الشَّمس، ويُجمَعُ على أصائلَ أيضًا، قال أبو ذؤيب:

لَعَمْرِي أنتَ البيتُ أُكْرِمُ أهلَهُ... وأقعدُ في أفيائِهِ بالأصائلِ (١)

والسُّجودُ طوعًا ظاهرٌ، والسُّجودُ كَرْهًا ممَّنْ أُكْرِه على الإسلام موجودٌ أيضًا، أمَّا ما عداهما: فتركُّب (٢) صور الأعيان، واختلافُ الأحوال عليها، وتعاقبُ المتضادات مِن الحركة والسُّكون والاجتماع والافتراق عليها، وحاجةُ بعضها إلى بعض في تمامِ قوامِها = شاهدٌ على أنَّها مصنوعاتٌ محتاجةٌ إلى مَن يقيمها، وأنَّ لها صانعًا صنعَها (٣) لا يشبهُها، فهذا مِن الكافرِ شاهدٌ للَّهِ بالرُّبوبيَّةِ، وأنَّه مستحِقٌّ لدعوة الحقِّ، وإنْ كانَ الكافرُ كارهًا لذلك غيرَ مريدٍ له ولا معترفٍ، وذلك سجودٌ مِن الكافرِ للَّهِ وخضوعٌ له كرهًا.

وأمَّا الظِّلال فساجدةٌ للَّهِ تعالى بالغدوِّ والآصالِ؛ لأنَّها تميلُ مِن ناحيةٍ إلى ناحية، وليس ذلك باختيارِها، بل هو بفعلِ اللَّهِ ذلك بها، وتصريفُه إيَّاها على ما يشاء مِن ذلك، ودلَّ ذلك على أنَّها مخلوقةٌ مصرَّفةٌ على ما يصرِّفُها عليه صانعُها


(١) انظر: "الكامل" للمبرد (٣/ ٥٤)، و"شرح أشعار الهذليين" (١/ ١٤٢).
(٢) في (أ): "فتركت"، وفي (ر): "فتركيب"، وفي (ف): "فتركبت".
(٣) في (أ): "يصنعها".