للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}: وهو تقريعٌ آخر؛ أي: هل يستوي الجماد الذي لا يُبصِرُ ولا يسمَعُ، واللَّهُ الحيُّ الذي يبصرُ ويسمعُ.

وقيل: هو مَثَلُ الكافر والمؤمِن.

ولَمَّا قرَّرَ أنَّ اللَّهَ ربُّ كلِّ شيءٍ، وبَّخهم بعبادةِ غيرِ اللَّهِ، وبيَّنَ أنَّ مَنْ فعلَ ذلك فهو أعمى عن الرُّشد، والمؤمن بصيرٌ (١) به، ولا يستويان.

وقوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}؛ أي: الكفر والإيمان، فالكفرُ ظلمةٌ لا يُهتَدى فيها، والإيمانُ نورٌ يُهتَدى فيه، ولا يستويان.

وقال القشيريُّ رحمَه اللَّهُ: إنَّ الأنوارَ إذا تلألأَتْ في القلوبِ نفَتْ آثارَ الظُّلمةِ، فنورُ اليقين ينفي ظلمةَ الشَّكِّ، ونورُ العلمِ ينفي تهمةَ الجهلِ، ونورُ المعرفةِ يمحو أثرَ النَّكرة، ونورُ المشاهدة ينفي آثار البشريَّة، وأنوار الجمع تنفي آثار التَّفرقة، وأنوارُ الحقائق تمحو (٢) آثارَ الحظوظِ (٣).

وقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}: وهذا تقريعٌ آخر، يقول: أوَقعَ عندَهم أنَّ الأصنامَ تخلقُ الأشياءَ كما أنَّ اللَّهَ تعالى يخلقُ الأشياءَ فاستجازوا (٤) عبادةَ الأصنامِ لوجودِ التَّخليقِ منها، كما استجازوا (٥) عبادةَ اللَّهِ لذلك لاشتراكِهم في استحقاق العبادةِ لذلك، وإنْ (٦) لم يكنْ هذا هكذا، بل اللَّهُ


(١) في (ر): "بصير".
(٢) في (ر) و (ف): "تنفي".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥).
(٤) في (ر): "فاختاروا"، وفي (ف): "فاستخاروا".
(٥) في (ر) "اختاروا"، وفي (ف): "استخاروا".
(٦) في (ر): "وإذا".