للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ}: جمعُ وادٍ {بِقَدَرِهَا}: على أقدارها (١) مِن السَّعةِ والضِّيق، والكِبَر والصِّغَر.

{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}؛ أي: الوادي إذا سالَ حملَ السَّيل زبدًا مرتفعًا على ظهرِه؛ وهو زَبَدُ الماءِ والغثاء؛ أي: الحق الَّذي أنزلَه اللَّهُ تلقَّتْهُ القلوبُ على قَدْرِ عقولِها وإذعانِها، والباطلُ يظهرُ أحيانًا ويكادُ يعلو الحقَّ، ثمَّ يتلاشى ويضمحِلُّ، ولا تكون العاقبةُ إلَّا للحقِّ.

وقوله تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ}؛ أي: من الجواهر الَّتي يستخرجونها مِن المعادن فيوقدون عليها {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ}؛ أي: طلبَ الحلية {أَوْ مَتَاعٍ}؛ أي: آنية من الأواني فله {زَبَدٌ مِثْلُهُ}؛ أي: خبثٌ كزبدِ الماء، ثمَّ إنَّه (٢) ينمحقُ عندَ أوَّل ما لمستْهُ النَّار، ولا ينتفِعُ به أهلُه، فكذلك الباطل يضمحِلُّ عندَ أوَّلِ حجَّةٍ تقومُ بهِ مِن حججِ الحقِّ، والجواهرُ تبقى في الأرض، وهي مِثْلُ الحُجَجِ (٣) تثبُتُ وتقوى.

وقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}: أي: يبيِّن {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}؛ أي: يذهبُ بعدَ علوِّهِ السَّيل برفعِ الرِّياح إيَّاه، وقذفِ الماءِ به، وتعلُّقِه بالأشجار، وجنبات الأودية.

وقد جَفَأَتِ القدرُ وأجْفَأَتْ، وجَفَأَ الوادي وأَجْفَأَ؛ أي: رمى بما علاه، فيرمِي الوادي بالجَفأ أوَّلًا إلى جانبٍ، ثمَّ تعمل فيه الرِّيحُ والشَّمسُ ويتلاشى، وكذا الباطل.

وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}: أي: المطرُ وجواهرُ المعادن


(١) في (أ): "مقدارها".
(٢) "إنه" من (ف).
(٣) في (ر) و (ف): "مثلٌ لحجج".