للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكما أنَّ الماء قد يصحبُه ما يكدِّره، ويخلِّص بعضه عمَّا يشوبُه، فكذلك الإيمانُ وفهمُ القرآنِ في قلوب المؤمنين قد تختلطُ به نزغات (١) الشَّيطان والخواطر الرديَّة، فمِن بين صافٍ وكدرٍ.

وكما أنَّ الجواهر التي يُتَّخَذ منها الأواني إذا أذيبَتْ (٢) خلصَتْ عن الخبث، كذلكَ الحقُّ يتميَّز مِن الباطل ويبقى الحقُّ ويضمحلُّ الباطلُ.

ثمَّ الجواهرُ الَّتي تُتَّخَذُ منها الأواني مختلفةٌ؛ فمِن إناءٍ يُتَّخَذُ مِنَ الذَّهبِ، وآخر مِن الرَّصاصِ إلى غيرِه، فكذلِكَ القلوبُ تختلفُ.

وفي الخبر: "إنَّ للَّهِ أواني، وهي القلوبُ" (٣)، فمريدٌ قاصدٌ، ومحبٌّ واجدٌ، وعابدٌ خائفٌ، وموحِّد عارفٌ، ومتعبِّدٌ متقشِّفٌ، ومتهجِّد (٤) متصوِّف. وأنشدوا:

ألوانُها شتَّى الفنونِ وإنَّما... تُسْقَى بماءٍ واحدٍ مِن مَنْهَلِ (٥)

وقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}؛ أي: الواحدُ القهَّار أنزلَ مِن السَّماء مطرًا.


(١) في (ف): "قد يختلط بنزعات".
(٢) في (ف): "صفت".
(٣) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (٨٤٠) عن أبي عنبة الخولاني مرفوعًا، قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص: ٦٣١): إسناده جيد.
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ٩٧) من حديث أبي أمامة رضي اللَّه عنه.
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٦٨٧) من قول عبد اللَّه بن مالك، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (١/ ١١) من قول ثور بن يزيد.
(٤) في (ف): "ومجتهد".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥)، والبيت للوأواء الدمشقي واسمه محمد بن أحمد العناني أبو الفرج.