للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويبقى صفوُ الماءِ، كذلك تذهبُ مخايلُ النَّفس ووساوسُ الشَّيطان ويبقى الحقُّ كما هو، فهذا مثلٌ ثانٍ.

والمثل الثَّالثُ قولُه: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}: أي: له خبثٌ مِثْلُ زَبَدِ الماءِ، فكما (١) يذهبُ خَبَثُ الجواهرِ ويبقى خلاصُها وصفوها كَذَلِكَ يذهبُ الجهلُ والوهمُ، ويبقى العلمُ والفهمُ، فهذا المثل الثَّالث (٢).

وقال الإمامُ القشيريُّ: الآيةُ تشتملُ على أمثالٍ:

شبَّه القرآنَ المنزَلَ بالماءِ المنزَل من السَّماء.

وشبَّه القلوبَ بالأودية.

وشبَّه وساوسَ الشَّيطان وهواجس النَّفس بالزَّبَد الَّذي يعلو الماء.

وشبَّه الحقَّ بالجواهر الصَّافية مِن الخَبَثِ؛ مِنَ الذَّهب والفضَّة والصُّفر والنَّحاس وغيره.

وشبَّه الباطلَ بخبَثِ هذه الجواهر.

ثمَّ إنَّ الأودية مختلفةٌ في صغرِها وكبرِها، فبقَدْرها تحتمِلُ الماءَ في القلَّة والكثرة، كذلك القلوبُ مختلفةٌ في الاحتمالِ على حسب الضَّعف والقوَّة، وكما أنَّ السَّيل إذا حصل في الوادي يطهِّر الوادي، كذلك القرآن يطهِّرُ القلوب.

وكما أنَّ السَّيل يحتمل الزَّبد فيلفِظُهُ كذلك القرآن إذا حصل حفظُه في القلوب ينفي الوساوسَ والهواجسَ عنها.


(١) في النسخ: "فكذا"، والصواب المثبت.
(٢) روى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٥٠١).