للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}: أي: إنَّ اجتماعَ الكلِّ في صفةِ البشريَّةِ لا يُبطل التَّفاضل؛ لأنَّه يوجِبُ ألَّا يكون في الدُّنيا مَن يفضُلُ غيرَه في رياسةٍ ومُلْكٍ ونفاذِ قَولٍ، وحُسْنِ خلقٍ (١)، وحُسْنِ وَجْهٍ، وفَضْلِ مَالٍ (٢)، وسلامةِ بدنٍ، وصِحَّةِ عَقْلٍ، وجودةِ تمييزٍ، وهذا ممَّا لا تَخفى استحالتُه، بل للَّهِ أنْ يخلقَ البشرَ، ويفضِّلَ بعضَهم على بعضٍ في الأحوالِ والأموالِ وغيرِها، فَيَمُنَّ عليه بذلك.

والحكمةُ في دارِ المحنةِ ألَّا يكونَ النَّاسُ سواءً لا يفضلُ بعضُهم على بعضٍ، فيبطلُ حينئذٍ موضعُ (٣) الشُّكر والصَّبر اللَّذَين هما جملةُ الإيمانِ.

فأمَّا السُّلطانُ المبينُ مِن جهةِ الإعجازِ، فذاكَ إنَّما يُحتاجُ إليه في إثباتِ صِدْقِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دعوى الرِّسالة، لا في إثباتِ حقِّ ما يدعو إليه النَّبيُّ عليه السَّلام، بلْ إذا ثبتَتْ نبوَّتُه بالإعجازِ كانَ جميعُ ما يدعو إليه حقًّا، وما يحكمُ به صوابًا، ولا قدرةَ للرَّسولِ على إيرادِ معجزةٍ إلَّا بإذنِ اللَّهِ؛ أي: بإعطاءِ اللَّهِ إيَّاه ذلكَ.

وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}: أي: قال الأنبياءُ: وعلى اللَّهِ فليعتَمِدِ الَّذين آمنوا به في كفِّ شرِّ مَن خالفَهم، وفي إيضاحِ دعوتِهم، وإقامةِ حقِّهم.

* * *

(١٢) - {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.


(١) في (ر) و (ف): "ونفاذ وحسن قول".
(٢) "مال" ليس في (أ).
(٣) "موضع" ليس في (أ).