للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه، وتمجيدَه له، وشكرَه له على النِّعم السَّالفةِ والآنفةِ (١)، لا ينقطعُ في الأوقاتِ، بل هي منهُ على ذُكرٍ؛ إمَّا بلسانِه، وإمَّا بقلبِه، وكذلك أعمالُه الصَّالحةُ تتَّصلُ وتَتابَعُ في الأحايين كلِّها، وهذا تمثيلٌ في غايةِ الحُسْنِ والصِّدقِ (٢).

وقولُه تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}: أي: وإنَّما يضربُ اللَّهُ الأمثالَ للنَّاسِ ليتذكَّرَ بها النَّاسُ أشباهَ الأشياء الغائبةِ بالأشياءِ الحاضرة، فإذا كانَتِ الأشياءُ الحاضرةُ المضروبُ بها الأمثال حسنةً محمودةً مالوا إليها، وإذا كانَتِ الأشياءُ الحاضرةُ المضروبُ بها الأمثال قبيحةً مذمومةً انحرفوا عنها.

كالهدى (٣) الَّذي هو في معنى الشَّيء الغائب لأنَّه يُدرَكُ بالدَّليل، والضَّلالُ الَّذي هو كذلك، إذا ضُرِبَ المَثلُ للهُدَى بالنُّورِ قَرُبَ مِن القَلْبِ كَقُرْبِ النُّور منه، وإذا ضُرِبَ مَثَلُ الضَّلالِ بالظُّلْمَةِ أُبْعِدَ مِنَ (٤) القلبِ كبُعْدِ الظُّلمة منه.

ثمَّ الشَّجرةُ الطَّيبةُ قيل: هي النَّخلة.

ورُويَ أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه يومًا: "أخبروني عَن شجرةٍ مَثَلُها مَثَلُ المؤمنِ؟ "، قالَ ابنُ عمرَ: فوقعَ النَّاسُ في شجرِ البوادي، فوقع عندي أنَّها النَّخلةُ، فأردْتُ أنْ أقولَ: هي النَّخلة، فنظرْتُ فإذا في القومِ أبو بكرٍ وعمرُ، فسكتُّ، فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي النَّخلةُ"، فذكرْتُ ما وقعَ في قلبي لِعُمَرَ، فقالَ: لو كنْتَ قُلْتَهُ كانَ أحبَّ إليَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها، أو كلامًا هذا معناه (٥).


(١) في (ف): "والآتية".
(٢) "والصدق" ليس في (أ).
(٣) في (ر) و (ف): "كالمهدي".
(٤) في (أ): "بعد عن".
(٥) رواه البخاري (١٣١)، ومسلم (٢٨١١) من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما.