للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو جوابُ مَن سألَ: إنَّ كلَّ إنسانٍ لم يعطَ كلَّ شيءٍ، ولأنَّه قال: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}، وهو للتَّبعيض.

ومعنى قراءة التَّنوين: مِن كلِّ شيءٍ ما سألتموه، ثمَّ (ما) إنْ جُعِلَ بمعنى الذي فهو كالأوَّل، وإنْ جُعِلَ للنَّفي فمعناه: مِن كلِّ شيءٍ لم تسألوه؛ أي: أعطاكم ما سألتُموه وما لم تسألوه، كالشَّمس والقمر واللَّيل والنَّهار وما عُدَّ في هذه الآية، وكذلكَ مِن المصالح ما يَخفَى على العبدِ سؤالُه، واللَّهُ يعطيهِ مِن غيرِ سؤالٍ.

وقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}: أي: لن (١) تطيقوا شكرَها، كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: "استقيموا ولن تُحصوا" (٢)؛ أي: لن تُطيقوا.

وقيل: أي: لا تستوفوا عدَّها (٣)، كما قال: "مَن أحصاها دخلَ الجنَّةَ" (٤).

وأقلُّ النَّاسِ نعمةً لو تكلَّفَ عَدَّ ما أنعمَ اللَّهُ عليه نفعًا ودفعًا لم يمكنْهُ إيفاءُ عدِّهِ، وبلوغُ حدِّه.

وقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}: {لَظَلُومٌ} لنفسهِ في معصيتِه، {كَفَّارٌ} لربِّه في نعمتِه.

وقيل: ظلومٌ: في الشِّدَّة يضجَر ويجزَع، كفَّارٌ: في النِّعمة يجمَعُ ويمنَعُ.

* * *


(١) في (ر) و (ف): "قيل أي لا" بدل "أي لن".
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٢٣٧٨)، والدارمي في "سننه" (٦٨١)، وابن ماجه (٢٧٧) وابن حبان في "صحيحه" (١٠٣٧)، والحاكم في "المستدرك" (٤٤٧)، من حديث ثوبان رضي اللَّه عنه.
(٣) في (ر): "لا يستوعبوها"، وفي (ف): "لاستواء عدها".
(٤) جزء من حديث رواه البخاري (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، ولفظ البخاري: "إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة".