للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لحمًا شديدَ الحمرة حِيال النُّسور، ثمَّ خلَّى عنِ النُّسور، فارتفعْنَ طمعًا في اللَّحم، حتَّى أبعدَتْ في الهواء، فقالَ أحدُ الرَّجلَيْن للآخر: افتحِ البابَ الأعلى، فانظرْ هل ازددْنا مِن السَّماءِ قُرْبًا، ففتحَ ونظرَ، وقال: إنَّها كهيئتِها، ثمَّ قالَ افتحِ البابَ الأسفلَ، ففتح فقالَ: انظرْ إلى الأرضِ، كيفَ تراها؟ قال: أراها كاللُّجَّةِ البيضاء، ثمَّ أغلقَ البابَ، وارتفعَتِ النُّسورُ حتَّى حالَتِ الرِّيحُ بينَها وبينَ الطَّيران، فقال لصاحبِه: افتحِ البابَ الأعلى وانظر، ففتحَ وقال: إنَّ السَّماءَ كهيئتِها، ثمَّ فتحَ البابَ الأسفلَ وقالَ: إنَّ الأرضَ سوداءُ مظلمةٌ، فقالَ لصاحبِهِ نكِّسِ اللَّحمَ فنكَّسَهُ على قوائم التَّابوت متدلِّيًّا، فتصوَّبَتِ النُّسورُ طمعًا في اللَّحم حتَّى قربَتْ مِنَ الجبالِ، فسمعَتِ الجبالُ (١) هفيفَ التَّابوتِ والنُّسور، فظنَّتْ أنْ قدْ حدثَ بها حدثٌ مِنَ السَّماءِ، فذلك قوله: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (٢).

* * *


(١) "فسمعت الجبال" ليس في (أ).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" للفيروزآبادي (ص: ١٢٥)، وانظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٤١٢)، وقد رواه عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. وكذا رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٧١٨) عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ورواه أيضًا عن سعيد ابن جبير ومجاهد، ورواه الطبري أيضًا (١٤/ ٢٠٣) عن السدي. وفي خبر مجاهد أنه بختنصر، وكيف كان فقد رد العلماء هذه القصة، قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" (٣/ ٣٤٦): وذلك عندي لا يصح عن علي رضي اللَّه، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى، وذلك أنه غير ممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر أحد بنفسه في مثل هذا.
وقال الخازن في "تفسيره" (٣/ ٤٥): واستبعد العلماء هذه الحكاية وقالوا: إن الخطر فيه عظيم، ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا الأمر العظيم، وليس فيه خير صحيح يعتمد عليه، ولا مناسبة لهذه الحكاية بتأويل الآية البتة.