للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أسباب الدُّنيا، ويظفر على أعدائه، وإذا لم يحصل ذلك عاجلًا نقضَ العهدَ وارتدَّ إلى الكفَّار؛ لِمَا يرى من كثرة عددِهم وأموالِهم، فنهاهم أن يكون دخولهم في الإسلام على هذا القصد، فيكونوا قد اتَّخذوا إسلامهم دَخلًا خديعةً للمسلمين، لا إخلاصًا في الدِّين.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ}: أي: يُجري أحوالَ المؤمنين في بعض الأوقات على الضَّعف والقِلَّة والنُّقصان ليختبرهم؛ أي: يعاملَهم معاملةَ المختبِر ليظهَرَ صبرُهم فيجازيَهم عليه أحسنَ الجزاء، وهو لا محالة ينصرهم ويُظفِرهم بعدوِّهم ويُطيِّب لهم عيشهم، وله ذلك في عباده (١).

وقوله تعالى: {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}: أي: ليميزَنَّ المحِقَّ من المبطِل يوم القيامة، فيثيبَ المحقَّ ويعاقب المبطل، وهذا وعدٌ لهم على حفظ العهد واليمين، وعلى الصَّبر على الشِّدة، وعلى الثَّبات على الدِّين.

وقال القشيري رحمه اللَّه: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} لكلِّ قومٍ عهدٌ مخصوصٌ عاهدوا اللَّه عليه، وهم مطالبون بالوفاء بعهدِه؛ فالزَّاهدُ عاهدَه ألَّا يرجعَ إلى الدُّنيا، فإذا رجع إلى ما تركَه منها فقد نقضَ عهدَه ولم يفِ به، والعابدُ عاهدَه في ترك الهوى، والمريدُ عاهدَه في ترك العادة، والعارفُ عاهدَه في التَّجرُّدِ له وإنكارِ ما سواه، والمحبُّ عاهدَه في القول بتركِ نفسِه معه بكلِّ وجهٍ.

فكلٌّ منهم مأمورٌ بالوفاء بعهدِه، منهيٌّ عن نقضِه، ومَن نقضَ عهدَه فقد هدمَ بفعلِه ما أسَّسَه لنفسه (٢)، وقلعَ بيده ما غرسَه، وكان كما قال أوَّلًا: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} الآية.


(١) في (أ): "عادة".
(٢) "لنفسه" ليس في (أ).