للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيكون إصلاحًا لبالهم، فأخبر أنَّه إفسادٌ لحالهم ومآلهم، فإنهم طلبوا رضَى الفريقين، وقد فاتَهم ذلك كلُّه؛ فإنَّ المؤمنين يبغضونهم؛ لِمَا أنهم لا يوافقونهم في الباطن، والكافرون (١) يردُّونهم؛ لِمَا أنهم لا يتابعونهم (٢) في الظاهر، وكذلك حالُ أهل الرِّياء، ولا خلاصَ لهم إلا بالإخلاص.

والرابع: كان هذا جوابَ اليهود -لعنهم اللَّه- جِهَارًا، وكانوا ممَّن قال اللَّهُ تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨]، وكانوا كفرعون لعنه اللَّه، سَمَّى صلاحَ موسى فسادًا، وغوايةَ نفْسِه رشادًا، فقال: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: ٢٦]، وقال: {مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٩]، فردَّ اللَّه تعالى عليه فقال: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: ٤]، وقال: {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٩١]، وقال هاهنا: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}.

وقيل: في هذا ما يدلُّ على أنهم وصفوا أنفسَهم بالإصلاح والمؤمنين بالإفساد (٣)، واقتضى أنهم قالوا: إنما نحن مصلحون وأنتم مفسدون، فردَّ اللَّه عليهم القولين (٤)، وقال: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}، وتقديرُه: هم المفسدون لا أنتم، ولو كان كلامُهم هذا الواحدَ المنصوصَ عليه فحسب؛ كفى جوابًا لهم: إنهم مُفسدون، فتكرارُ (هم) وتعريفُ النَّعت بالألف واللام دليلٌ على ما قلنا، وهو كقوله: {إِنَّ


(١) في (أ): "والكفار".
(٢) في (أ): "يوافقونهم".
(٣) في (ف): "بالفساد".
(٤) في (أ): "القول".