للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ}: أي: لن تشُقَّ الأرض بشدةِ مشيك؛ أي: لا تقدر على ذلك ولا يتهيَّأ لك ذلك.

وقوله تعالى: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}: أي: برَفْع رأسك ونصبِ عنقك لن تنال الجبال؛ أي: فليس من أحد إلا وهو يقدر على هذا الضرب من المشي فلا معنى للتكبُّر به (١)، فالتواضع والقصد في المشي أولى، وقد مدح اللَّه تعالى به عباده فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣].

وقيل: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ}؛ أي: لن تقطعها طولًا وعرضًا حتى تستوفيَ قطعَها، إنما تمشي بقَدْر قوتك الضعيفة، ولا ترتفع إلى الجبال بذلك، فلا تسرع إسراع المختال، ولا حاجة لك إلى ذلك كلِّه، بل سر على هِينتك بقَدْر حاجتك.

وقيل: لا تمشِ مرحًا تتوهَّم أنك تَطولُ كلَّ جبلٍ فتكونُ عاليًا عليه، وتخرقُ كلَّ أرض فتكونُ خارجًا عنها، بل كيفما اختَلْتَ فأنت محاطٌ بك (٢) من فوقك وتحتك بشيئين من الجمادات هما خلق اللَّه، وأنت أضعف منهما، والمحاط به مغلوب لأنه كالمحصور، فكأنه قال: تواضَعْ ولا تتكبَّرْ ولا تختَلْ فإنك خلقٌ من خلقِ اللَّه ضعيفٌ محصورٌ بين حجارةٍ وتراب وهؤلاء (٣) فلا تفعل فعل المقتدِر القوي.

* * *

(٣٨) - {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.

وقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}: قرأ ابن كثير ونافعٌ وأبو جعفرٍ


(١) "به": زيادة من (أ).
(٢) "بك": من (أ).
(٣) "وهؤلاء": من (أ).