للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعلمون (١)، بعد أن كانوا بسبيل العلم به؛ أي: مُتَمكِّنين من الوصول إلى العلم بالنظر في دَلائلِه.

وقيل: ليس هذا نفيَ حقيقة العلم، بل هو نفيُ عملهم بالعلم، وقد قرَّرناه فيما مر.

وقيل: أي: لا يشعرون (٢) أنهم يعذَّبون على ذلك.

وقيل: أي: لا يشعرون متى ينزل بهم الموتُ فتنقطعَ عنهم التوبة.

ولمَّا كانوا موصوفين بالعلم في الأصل بقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة: ١٠٢]، وصاروا موصوفين بالجهل بقوله: {لَا يَشْعُرُونَ} من الوجوه الثلاثة: أنهم لم يعلموه إفسادًا، ولم يعلموا أنَّ عليه عذابًا، ولم يعلموا متى يموتون قبل أنْ يتوبوا؛ أَلزمهم الحجَّة، فأزال هذه الجهالات بالدَّلالات، فقال: إنه إفسادٌ، بقوله: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}، وقال في عذابه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: ١٤٥]، وقال في الموت: {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الشعراء: ٢٠٢].

وكذا وصفَ المؤمنين بالعلم بقوله تعالى: {وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨]، ثم وصفَهم بالجهل لمخالفتهم (٣) العلم، فقال: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: ١٧]، وكان جهلُهم من هذه الوجوه الثلاثة، فأزالها، فقال في حقِّ الأول: إنَّه فسوق، بقوله تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: ١١]، وقال في عقوبته: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٣٨٥).
(٢) في (أ): "يعلمون".
(٣) في (أ): "بمخالفتهم".