للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٣) - {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}.

وقوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}: أي: متشاغلةً عن التأمُّل فيه، من قولهم: لَهِيْتُ عن الشيء أَلْهَى عنه، من حدِّ عَلِم؛ أي: غفلتُ عنه، قال: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} [المنافقون: ٩].

و {لَاهِيَةً} نصب على الحال من قوله: {يَلْعَبُونَ}، أو حالٌ مع (١) حال، وتقديره: إلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم.

{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}: جمع الفعلَ المتقدِّمَ على الاسم، وله وجوه:

قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، وتقديره: والذين ظلموا أسروا النجوى.

وقال الفرَّاء: بل تقدم الاسم: {لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} {وَهُمْ مُعْرِضُونَ} {مَا يَأْتِيهِمْ} {اسْتَمَعُوهُ} {يَلْعَبُونَ} {قُلُوبُهُمْ} (٢).

وقيل: هذا مستعمل في العربية أيضًا وموجود في أشعارهم، قال قائلهم:


(١) في (أ): "من".
(٢) المعنى واللَّه أعلم: أن الضمائر في كل ما ذكر تعود كلها على ما تقدم من قوله: {لِلنَّاسِ}، وكذا قوله: {وَأَسَرُّوا} الضمير فيه يعود على ما عادت عليه الضمائر التي في الكلمات المذكورة، يبينه قول الواحدي في "البسيط" (١٥/ ١٥): (قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} فعلٌ قد تقدمت الأسماء عليه، وهم الذين ذكرهم في قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}، وقد تكرر ذكرهم إلى أن قال: {وَأَسَرُّوا} فجاء قول: {وَأَسَرُّوا} معطوفا عليها، وصارت الأسماء مضمرة في هذا الفعل).
وعبارة الفراء في "معاني القرآن" (١/ ٣١٦): (إنما قيل: {وَأَسَرُّوا} لأنها للناس الذين وصفوا باللهو واللعب، و {الَّذِينَ} تابعة للناس مخفوضة؛ كأنك قلت: اقترب للناس الذين هذه حالهم، وإن شئت جعلت {الَّذِينَ} مستأنفة مرفوعة، كأنك جعلتها تفسيرًا للأسماء التي في {وَأَسَرُّوا}).