للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لك مجيرًا وحافظًا، وفي الحديث: "اللهم اصْحَبنا بصحبةٍ واقْلِبنا بذمَّةٍ" (١).

وقوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ}: أي: ليس لهم آلهةٌ تمنعهم من دوننا ولا جاز يُجيرهم من عذابنا ليكون إصرارهم على الكفر اتِّكالًا عليهم، لكنْ متَّعناهم بالحياة الدنيا وبسَطنا لهم في عزِّها ونعيمها، وكذلك فعلنا بآبائهم فطال عليهم العمر فألِفوه واستطابوا الدَّعَةَ، فقست قلوبهم، فلما جاءهم مَن يدعوهم إلى خلافِ ما ألِفوه استثقلوا تركَ ما هم عليه وظنوا أنَّ ما هم فيه لا يزول عنهم، فأعرضوا عن التدبُّر.

ثم بيَّن خطأهم في ذلك فقال: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}: أي: أفلا يُشاهدون ما نفتحه على محمدٍ من بلاد الكفر مما حول مكة، فنَنْقص من قراهم ونزيد في ملك محمد وما يهلكه (٢) من رؤساء هؤلاء (٣).

قوله تعالى: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ}: أي: أفكفَّارُ مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أرضهم (٤)؛ أي: ليس كذلك، بل يغلبهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وينصرُه اللَّه تعالى.

وفي نقص الأطراف أقاويلُ أُخر ذكرناها في سورة الرعد، وهذا القول هاهنا أقرب إلى النظم.


(١) قطعة من حديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (٩٢٠٥)، والترمذي (٣٤٣٨)، والمحاملي في "الدعاء" (٢٧)، والحاكم في "المستدرك" (٢٤٨٤)، والخطيب في "الكفاية في علم الرواية" (ص: ١٧٩)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. ولفظ أحمد: (بنصح)، والترمذي: (بنُصْحك) بدل: (بصحبة). قال الترمذي: حسن غريب.
(٢) في (ر) و (ف): "يهلك".
(٣) السورة مكية، ولم يكن هناك فتح ولا نصر، وقد تكرر هذا عند المؤلف.
(٤) في (ر) و (ف): "أطرافهم".