المسجد، فجاء النَّضْر بن الحارث حتى جلس معهما، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعرَض له النضر بن الحارث، فكلَّمه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأقبل عبد اللَّه بن الزِّبَعْرَي بنِ قيس ابن عدي السهمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد اللَّه بن الزِّبعري: واللَّه ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفًا وما قعد، وقد زعم أنَّا وما نعبد من دون اللَّه من آلهتنا هذه حصبُ جهنم، فقال ابن الزِّبعري: أمَا واللَّه لو وجدتُه لخَصَمْتُه، فسلوا محمدًا: أكلُّ مَن عُبد من دون اللَّه في جهنم مع مَن عبده، فنحن نعبد الملائكة، واليهودُ تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد المسيح، فعجِب الوليد بن المغيرة ومَن كان في المجلس مِن قول عبد اللَّه بن الزبعري، ورأوا أنه قد خاصم واحتج، فذُكر ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال:"نعمْ، كلُّ مَن أحبَّ أن يُعبد من دون اللَّه فهو مع مَن عبَده، إنما يعبدون الشياطين ومَن أمَرتهم بعبادته"، فأنزل اللَّه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} إلى قوله: {خَالِدُونَ}؛ أي: عيسى بن مريم وعزير ومَن عَبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضَوا على طاعة اللَّه فاتخذهم مَن بعدَهم من أهل الضلالة أربابًا من دون اللَّه، وأَنْزَل فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة لأنها بنات اللَّه، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء: ٢٦]، إلى قوله:{كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: ٢٩](١).
(١) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٣٥٨ - ٣٥٩) عن ابن إسحاق، ورواه عنه الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٤١٧ - ٤١٨)، ورواه مختصرًا الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢٧٣٩)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٣٠٥)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٦٩): فيه عاصم بن بهدلة وقد وثق وضعفه جماعة. ورواه بنحوه دون ذكر الآية الإمام أحمد في "المسند" (٢٩١٨).