للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= "النكت والعيون" (٢/ ١٤٤)، والبغوي في "تفسيره" (٣/ ١٦٩)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٣/ ٨٦)، والزمخشري في "الكشاف" (٢/ ٤٥).
وهذه القصة قد وردت في أكثر التفاسير، وهي باللفظ الذي ذكره المؤلف مردودة سندًا ومتنًا، أما السند فقد صرح بعض من ذكرنا أنها من رواية أبي صالح عن ابن عباس، وآخرون أنها من رواية الكلبي عن ابن عباس، فتكون من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والكلبي متروك، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس، فالخبر ساقط لا يحتج به.
وله طريق آخر رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٤٠٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٣٤٦) من طريق أسباط عن السدي، وهذا أيضًا ضعيف لإرساله، وأسباط هو ابن نصر قال عنه الحافظ في "التقريب": صدوق كثير الخطأ يغرب.
وأما متنًا ففيه نكارة عظيمة في قوله: فإذا أَملى عليه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} كتب {سَمِيعًا بَصِيرًا}، وإذا أملى عليه {سَمِيعًا بَصِيرًا} كتب {رؤوفًا رحيمًا}، بل زاد بعضهم: (فيقول له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هما سَوَاء)، فكيف يعقل أن يترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أنزل اللَّه عليه ويعدل إلى كلام ابن أبي سرح فيثبته بدلًا عن كلام اللَّه؟! وهل من بهتان أعظم من هذا البهتان، أم هل من سبيل لأعداء المسلمين في طعنهم على هذا الدين والتشكيك به أحسن من هذا السبيل؟! وأعجب من ذلك كيف يورد أئمة كبار كالطبري وابن أبي حاتم والماوردي والبغوي وابن الجوزي هذه القصة ويسكتوا عليها.
لكن وردت هذه القصة بسياق آخر ليس فيه ما تقدم من النكارة، فقد ذكرها أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" (٢/ ٤٧٦)، والثعلبي في "تفسيره" (٧/ ٤٣)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٢٢٠)، والرازي في "تفسيره" (٢٣/ ٢٦٦)، بألفاظ متقاربة، وفيها: أن ابن أبي سرح كان يكتب هذه الآيات للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما انتهى إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}، عجب من ذلك فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتب هكذا أُنْزِلَتْ" فشك عند ذلك. . . إلخ.
فهذا ليس فيه ذلك المحذور الذي قدمناه، ومع قد ذلك فقد رده بعض العلماء، فقال أبو الليث عقبه: وقد قيل: إن الحكاية غير صحيحة؛ لأن ارتداد عبد اللَّه بن أبي سرح كان بالمدينة، وهذه الآية مكية. وكذا قال ابن كمال باشا في "تفسيره" عند هذه الآية: وهذه الرِّواية غيرُ صحيحة؛ لأنَّ السُّورةَ مكيَّةٌ، وارتداده كان بالمدينة على ما اعترف به الرَّاوي. =