للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: المجرمون يقولون ذلك للملائكة، وهي كلمة استعاذةٍ، وكان الرجل إذا لقي مَن يخافه على نفسه قال: حجرًا محجورًا؛ أي: حرامًا محرَّمًا عليك التعرُّض لي، قال ذلك مجاهد وقتادة والحسن والخليل (١).

وعن مجاهد قال: {حِجْرًا} كلامُ المجرمين و {مَحْجُورًا} كلام اللَّه تعالى؛ أي: مُنِع هذا الكلام أن ينفعهم.

* * *

(٢٣) - {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.

وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}: أي: أبطَلْنا جميعَ أعمالهم لكفرهم، وهذا الكلام -وهو لفظ القدوم- مجازٌ أُريد به المبالغةُ في إحباطه، فإن الغائب منَّا إذا قدِم، والمشغولَ منا إذا تفرَّغ، والمُعْرِضَ منا إذا أقبل، كان جِدًّا (٢) منه فيما قدم عليه وتفرَّغ له وأقبل عليه، واللَّه تعالى لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يشغله شيءٌ عن شيءٍ، لكنْ لمَّا أراد إثبات ما ذكر على وجه المبالغة ذكَر هذه الكلمات التي يَفهم الناس منها المبالغة في التوجُّه إلى الشيء، فقال تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} [الرحمن: ٣١] وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٩].

وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً}؛ أي: غبارًا، والهَبْوةُ كذلك {مَنْثُورًا}: مفرَّقًا لا يمكن جمعُه، وهو استعارةٌ عن جعله (٣) بحيث لا يَتهيأ له الاجتماع، ولا يقع بها الانتفاع، وهو كقوله: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: ١٨].


(١) انظر: "العين" للخليل (٣/ ٧٤)، ورواه عن الحسن وقتادة عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٠٨٢)، وعن مجاهد وقتادة الطبري في "تفسيره" (١٧/ ٤٢٨ - ٤٣٠).
(٢) في (ر): "حدًا"، وفي (ف): "جديرًا".
(٣) بعدها في (ف): "هباء منثورًا".