وإنما قالت:{الْمُرْسَلُونَ} تعظيمًا للرسول، أو هذا من متعارَفِ اللسان؛ يقول الملك: أرسلْ إلى فلان رسلًا، وهو يريد الواحد، ويَجمع للتعظيم، أو لأنه يكون معه أتباع، ثم قال:{فَلَمَّا جَاءَ} وقال: {ارْجِعْ} خطابًا لرأسهم وإخبارًا عن كبيرهم.
قال وهب: قالت لهم: لا آمَنُ إنْ هو ظفر بكم أن يُذلَّكم ويتعبَّدَكم ويبيحَ جنوده قراكم وحريمَكم، وسأختبره أيعمل للَّه أم للدنيا؟ قالوا: بماذا؟ قالت: أعرضُ عليه الدنيا، فإنْ قَبِلها فهو لها وإن حقَرها فهو للَّه ولا سبيل إليه، فإنْ قَبِل الدنيا قاتلناه عن ملكنا، فكتبت إلى سليمان: إني قد سمعتُ كتابك، وأنا ناظرةٌ في أمرك ومعجِّلة إليك رسلي ليَعلموا عِلمك.
وأهدت إليه ألفَ فرس عربيٍّ سابق ليس فيها إلا ما أَحرز الحلبة، وهي كلُّها على شِيَةٍ واحدة ليس منها إلا أدهمُ أزرقُ أغرُّ محجَّل، مع كلِّ فرس عبدٌ يسوقه، في رأس كلِّ فرسٍ حَكَمةٌ من ذهب، عِذارها مفصَّصٌ بالجوهر، ومِقْوَدها سلسلةٌ من حَلَق الذهب والفضة، حَلْقةٌ من ذهب وحَلْقةٌ من فضة، وعليه سَرجٌ من جَزْعٍ ملبَّسٌ أرجوانًا أحمرَ مرصًّعًا باللؤلؤ، نصفُها ذكور ونصفُها إناث.
وأهدت له خمسَ مئة وصيفٍ وخمس مئة وصيفة عربية (١)، في يمين كلِّ وصيفة سوارٌ من ذهب فيه ياقوتة، وفي عنقِ كلِّ وصيفةٍ طوقٌ من ذهب فيه ياقوتة، وفي أذنها قرطان في كلِّ قرط درةٌ، وعلى كل وصيفٍ منطقةٌ منظومة باللؤلؤ، وعهدت إلى رسلها إذا هم عرضوا على سليمان هديتَها أن يحملوا الوصفاء على ذكور الخيل والجواري على إناثها.
وقال زيد بن أسلم: وجَّهت مع هذا كلِّه لَبِنًا من ذهب، فأُخبر سليمان بذلك،
(١) في (ر) و (ف): "ووصيفة"، بدل: "وخمس مئة وصيفة عربية".