للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن ساقيها وهو قوله: {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} قيل لها: إنه ليس بماء، ولكنه: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}؛ أي: مملَّسٌ من قوارير، فأسلمت عند ذلك و {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

{ظَلَمْتُ نَفْسِي} بالشرك.

وقيل: ظنت أن سليمان مكر بها ليقتلها.

وقال محمد بن كعب القرظي: لما بصُرت بالصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابًا يقتلني به إلا الغرق (١)، فلما وقفت على الحقيقة قالت: {ظَلَمْتُ نَفْسِي} بما أسأت به الظن.

وقيل: أمرُ سليمان بتنكير العرش واتخاذِ الصرح كان لتنظر إلى ذلك فتعلمَ فضلَ ملكه على ملكها، وأن اللَّه هو الذي سخرهم له وهيَّأ ذلك كلَّه له، فإن ذلك لا يكون إلا آيةً لنبوته ورسالته، فتهتدي بذلك إلى الإسلام، ولذلك أسلمت.

وقيل: كان هذا معارضةً (٢) له إياها فيما فعلت من أمر الوصفاء والوصائف، وتنكيرِها إياهم، وكذا حال الجواهر، ففعل بها كذلك، فاهتدى هو إليها لنبوته ولم تهتدِ هي إليه، فاستبان لها حاله فأطاعته وأسلمت.

وقيل: الحكمةُ في كتمان حالِ (٣) هذه الملكة على سليمان مع قُرب ولايتها منه، ومع أن الدنيا كلَّها كانت مملكةً له؛ ليكون ذلك عند ظهور عذرِ الهدهد عن جنايته، وما ذَكر سليمان في حقه: {لَأُعَذِّبَنَّهُ} {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} كان تأديبًا وتهذيبًا لا


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ٨٢).
(٢) في (أ): "معاوضة".
(٣) "حال" من (أ).