للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أجدْ مَن شرَحها هذا الشرحَ ووضَّحها هذا التوضيحَ البليغ، ومَن يراجِعْ قولَ الزمخشريِّ مثلًا -وهو صاحبُ الباع في مثلِ هذا- في تفسيرها ويقارِنْ بينهما يَظهرْ له الفرقُ في التعبير، وفي حسنِ البيانِ والتصوير، فقد قال الزمخشري: وتذليلُ القطوف: أن تُجعلَ ذللًا لا تمتنعُ على قطَّافها كيف شاءوا، أو تجعلَ ذليلةً لهم خاضعةً متقاصرة، من قولهم: حائط ذليلٌ؛ إذا كان قصيرًا.

- ومثلُ هذا قولُه في تفسير: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٩١]: أي: لم يثبِّطوا غيرَهم من الموسِرين والأصحَّاءِ عن الخروج، ولم يوهِموهم أن قعودهم كان لجواز التخلُّف لكلِّ مَن أراده، بل بيَّنوا سببَ تخلُّفهم، وحرَّضوا القادرين عليه، وقاموا بأسبابهم عند خروجِهم وأسبابِ مَن خلَّفوهم بالمعونة.

فهذا المعنى الذي ذكره لم أجدْ أحدًا من أهل التفسير والمعاني ذكَره ولا ما يقاربُه في الحُسن وإصابةِ المَحَزِّ، اللهمَّ إلا ابنَ كمالِ باشا الذي في الحقيقةِ نقَلَه عن المؤلِّف.

- وانظرْ ما أروعَ شرحَه لقوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: ٣٧] فقد قال في التفريق بين التجارة والبيع: لا تَشغلُهم تجارة؛ أي: بالأسفار في الأمصار {وَلَا بَيْعٌ}؛ أي: في الأسواق في الحوانيت، وحملناهما على هذين لتكون لزيادة إفادةٍ لا لمجرَّد إعادة.

قلت: وهذا التفريق بينهما لم أجد أحدًا من المفسرين قد انتبه إليه أو نبَّه عليه.

- ثم قال في تفسير باقي الآية: {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: أي: خارج الصلاة {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ}؛ أي: وعن إقامةِ الصلاة في وقتِ الصلاة {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}: أي: وعن إيتاءِ الزكاة. بيَّن أنهم ليسوا بزَمْنَى لا أبدانَ لهم، ولا فقراءَ لا أموالَ لهم؛ ليكون لهجُهم

<<  <  ج: ص:  >  >>