تبيَّن (١) له بذلك أنه لم يكن كذلك إلا لقِوام الدنيا بوقوع التناسل فيها إلى الأجل المعلوم، وذلك إنما هو لأن الدنيا دارُ عمل وامتحان، ولا بد بعدها من دارِ حسابٍ وجزاء، وفي ذلك إثباتُ البعث، ويتدرَّج بذلك إلى إثبات الأنبياء والشرائع.
وقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: وكانت العرب مقرِّين بأنَّ اللَّه تعالى هو المنفرد بخلقهما، ومَن قدر على خلقهما على ما فيهما من عجائب الصَّنعة وبدائع الخِلقة لم يُعجزه البدث بعد الموت، ولم يجز أن يشرَك به مَن لا يمكِنه خلقُ مثلهما.
ثم في ذلك دلالة أن لهما صانعًا ومدبِّرًا؛ لِمَا فيهما من آثار الصنعة وعلامات الحدوث، وإذا استحال أن يكون خلَقَهما أحدٌ من البشر، واستحال أن يكونا بأنفسهما من غيرِ صانع، دل على أن لهما خالقًا، وهو حجة على كلِّ ملحد ومشرك.
وقوله تعالى:{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}: والألسنة: اللغات والأصوات، والألوان: الصور والهيئات، وذلك أبينُ الدلالات، فإن الأصل واحد وهو التراب والماء، وفي الحال لحم ودم وعظم وعصب وعرق وجلد، وتختلف النغمات واللغات، وتتفاوت الألوان والكيفيات، بحيث لا يُشبه وجهٌ وجهًا على اتحاد الصورة، ولا تُشبه نغمةٌ نغمةً على اتحاد الآلة، فدل ذلك على كمال قدرته ونفاذ مشيئته، وفيه إثبات خلق الأفعال والأقوال.