للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أنَّه ذَكَر المنافقين بعد الكفَّار، وذَكَر لهم مَثَلين؛ {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧]، {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: ١٩]، ودَعاهم إلى الإخلاص بقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١]، وبيَّن لهم دليلَ صحَّة دعوى الرَّسولِ وحقيَّةِ (١) الكتاب، وقال: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة: ٢٣]؛ أي: أَعوانكم وأَنصاركم، وهم الذين سَبَق ذِكْرُهم {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: ١٤]؛ أي: وعجزوا، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} وهو هؤلاء (٢) {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١]، قال سفهاؤهم: ما هذا مِن كلام اللَّه تعالى، فأَنزل اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ ردًّا عليهم.

والثالث: أنَّه لمَّا أَوْعَد الكفَّارَ بالنار، وبشَّر المؤمنين بالجنَّة، قالوا: لا يُعذَّبُ بالنار غيرُ الكفَّار (٣)، ولا يَنال الجنّةَ إلَّا مؤمنٌ عَمِل كلَّ الصالحات، فنزل قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧]؛ أي: مِن ثواب الجنَّة، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}؛ أي: مِن عقاب النار، والذَّرَّةُ: هي النملةُ الصغيرة، قال السفهاءُ: لا يَليق باللَّه ذِكْرُ النَّملة، فنزلت هذه الآيةُ.

وقوله: {يَسْتَحْيِي} هو يَسْتَفعِل مِن الحياء؛ وهو في اللغة: اتِّقاء ظهورِ العَورة.

وقيل: هو الانقباضُ عن الشيء والامتناعُ عنه خوْفًا من (٤) مُواقَعة القبيح، وقد حَييَ يَحيى حياءً (٥)، مِن حدِّ: عَلِم، فهو: حَيِيٌّ، والحياءُ: الفَرْجُ؛ لأنَّه يُستحْيَى مِن إظهارِه، وحاصلُ الحياء هو التَّرْك، فإنَّ مَن استَحْيى مِن شيءٍ تَرَكه.


(١) في (ر) و (ف): "وحقيقة"، وكلمة "دعوى" ليست في (أ) و (ف).
(٢) "وهم هؤلاء" ليست في (أ).
(٣) في (ف): "الكافر".
(٤) في (أ): "عن".
(٥) في (ر): "حياة".