للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ورد ذِكْر الحياءِ في صفة اللَّه تعالى إثباتًا ونفيًا، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ حَييٌّ كريمٌ؛ يَستحيي أنْ يرفعَ العبدُ إليه يديه، فيردَّهما صِفْرًا" (١).

وقال عليه الصلاة درالسلام: "يقول اللَّهُ تعالى: الشَّيْب نُوري، وأَنا أَستحيي أنْ أُحرقَ نوري بناري" (٢).

وأمَّا النفيُ؛ ففي قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: ٥٣] وقال هاهنا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا}، ومعناه: الترك، فإنَّ مَن اتَّقى ظهورَ عيبه بشيءٍ تَرَكه، وكذا مَن خافَ مواقعةَ قبيحٍ تَرَكه، فإذا كان اللَّهُ تعالى يَستحيي مِن ردِّ العبد خائبًا، فمعناه أنَّه يَتركُ حرمانَه، فإذا (٣) قال: لا يستحيي مِن الحقِّ، فمعناه: لا يَتركُ بيانَه.

وهذا هو الوجه في كشف الكلمات الموهِمة: أنَّك تعتبر حاصلَ ذلك فتفسِّرُه به.

وهذا كالعَجَب مِن الإنسان، فعجَبُه مِن آخَرَ يكون مِن أحدِ شيئين: مِن إساءةِ مَن كان أحسنَ هو إليه فتعجَّب منه، ومِن إحسانِ أجنبيٍّ إليه لم يَكن منه إليه إحسانٌ فتعجَّب منه، وذاك بظهورِ ما لم يكن عنده أنَّه يَظهر كذلك، وهذا لا يجوز على اللَّه تعالى؛ لأنَّه عَلِم الأشياءَ كلَّها، وعَلم ما يكون قَبْل أن يكون أنَّه إذا كان كيف يكون، ولكنْ حاصلُ هذه الكلمة هو غايةُ الرِّضا أو غايةُ الكراهة، واللَّهُ تعالى إذا ذُكر منه


(١) رواه أبو داود (١٤٨٨)، والترمذي (٣٨٧٢)، وابن ماجه (٣٨٦٥)، من حديث سلمان الفارسي مرفوعًا، قال الترمذي: حديث حسن غريب.
(٢) رواه الديلمي كما في "المقاصد الحسنة" (١١٣٦)، وعنه السلفي في "معجم السفر" (٢٣٢)، وأشار الذهبي في "ميزان الاعتدال" -ترجمة دينار أبي مكيس الحبشي- إلى وضعه.
(٣) في (أ): "وإذا".