للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العجَبُ، فإنَّما يُراد به أحدُ هذين اللَّذَيْن هما الحاصلُ، ففي قوله عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللَّهَ ليَعجبُ مِن الشابِّ ليست له صَبوةٌ" (١) هو غايةُ الرِّضا.

وفي قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ} بالضَّمِّ (٢) {وَيَسْخَرُونَ} [البقرة: ٢١٢] هو غايةُ الكراهة، وعلى هذا نظائرُه.

ثم الإثباتُ والنفيُ معًا في صفةٍ واحدةٍ لا يَرجع إلى ذاتِ اللَّهِ تعالى، فإنَّ ما أثْبت اللَّه تعالى له لم يَجز نفيُه عنه، وما نُفيَ عن اللَّه تعالى لم يَجز إثباته له، وإنَّما يَرجع ذلك إلى ما يقعُ عليه ذِكْر هذه الصفات (٣)، وهو كقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] نفَى المغفرةَ في حقِّ مَن يُشرك، وأَثبتها في حقِّ مَن لا يشرك، وذلك يَرجع إلى ذنبِ المشرك وذنبِ (٤) غير المشرك لا إلى ذاتِ اللَّه تعالى، وكذا قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وكذا قولهم: "ما شاءَ اللَّهُ كان وما لم يَشأ لم يكن" (٥).

ثم قوله: {لَا يَسْتَحْيِي} قيل في تفسيره: لا يَترك ضربَ المَثَل بالبعوضة.

وقيل: أي: لا يَمتنِع عنه.

وقال قتادةُ وجماعة: هو في مشركي مكَّة (٦)؛ بدليل أنَّه ذكر مثلُ هذا في سورة


(١) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (١٧٣٧١)، وأبو يعلى في "مسنده" (١٧٤٩)، من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه.
(٢) هي قراءة حمزة والكسائي، وقرأ الباقون بالفتح. انظر: "السبعة" (ص: ٥٤٧)، و"التيسير" (ص: ١٨٦).
(٣) في (أ) و (ف): "الصفة".
(٤) في (ر) و (ف): "دين المشرك ودين".
(٥) قطعة من حديث رواه أبو داود (٥٠٧٥) عن بنت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرفوعًا.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٤٢٤).