للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

-صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك بأمر اللَّه، فالآية تدل عليه، فكأنها تلكَّأت، ولعل زيدًا امتنع أيضًا لإبائها، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (١)، فبيَّن أنه لا اختيار لهما في أن يفعلا أو لا يفعلا مع أن اللَّه ورسوله أمراهما بذلك، وما بعد الآية يدل على أن الآية في هذين.

وقد قيل: إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، عرضت نفسها على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لينكحها فزوَّجها زيد بن حارثة فكرهاه، فنزلت (٢).

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} بياء التذكير، لتقدُّم الفعل، وللحائل بين الفعل والاسم، والباقون بتاء التأنيث على لفظ الخيرة (٣).

وقوله تعالى: {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا}؛ أي: أمَر اللَّه ورسوله أمرًا؛ كما قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣].

وقوله تعالى: {الْخِيَرَةُ}؛ أي: الاختيار بين الفعل والترك، ودلَّ ذلك على أن الأمر للوجوب.

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}: فإن كان عصيانَ ردٍّ وامتناع عن القبول فهو ضلال وكفر، وإن كان عصيان فعلٍ مع قبول الأمر والنهي واعتقادِ الوجوب فهو ضلال وخطأ كما في قوله: {إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: ٩٥].

* * *


(١) روى نحوه الطبراني في "المعجم الكبير" (٢٤/ ٣٩)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٣٠١)، من حديث زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٩/ ٢٤٧): رواه الطبراني وفيه حفص بن سليمان وهو متروك وفيه توثيق لين. ورواه الطبري في "تفسيره" (١٩/ ١١٢ و ١١٣) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما بإسنادين ضعيفين.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٩/ ١١٤) عن ابن زيد. وقوله: "فكرهاه" الضمير يعود على أم كلثوم وأخيها كما جاء في هذا الخبر.
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ٥٢٢)، و"التيسير" (ص: ١٧٩).