وقوله تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}: أي: اذكر يا محمد إذ كنت {تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}؛ أي: بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ} أنت {عَلَيْهِ} بالإعتاق، وهو زيد، وكان عبدًا لخديجة فوهبته لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعتقه، وكان هو من بني كلب وأغار على بني كلب قوم من العرب فسبَوه وباعُوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام وهو شريك خديجة في التجارة فأهداه لها، فوهبته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخفي حاله على أبيه سنين، ثم أُخبروا أنه عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء أبوه وعمه وطلبا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيعه من أبيه بثمن عظيم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اختار أن يكون معكم دفعته إليكم"، فخيَّره فاختار المقام مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتركاه وذهبا، فأعتقه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتبنَّاه، وكان من حُكم العرب أن مَن تبنى ولدًا كان كولده من صُلبه في التوريث وفي حرمةِ نكاح امرأته على الأب المتبنِّي.
وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبطل هذا الحكم، وأراد اللَّه أن يقرِّر هذا الحكم بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفِعْلِه عندهم؛ ليكون ذلك أنجعَ في قلوبهم وأقطعَ لعادتهم، وكان اللَّه تعالى أخبر رسوله بذلك وأسرَّ ذلك، بأن أمره (١) أن يخطبها لزيد ويزوِّجَ بينهما، ثم بعد مدةٍ يتفرقان ويتزوَّجُها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيتحقَّقُ عندهم تقريرُ هذا الحكم، وكان يخفيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في نفسه إلى أن يُظهره في وقته.
ولمَّا وقع هذا النكاح ومضت مدةٌ وقعت بينهما خشونةٌ، فجاء زيد يشكوها
(١) في (ف): "وأسر ذلك بأمره" وفي (ر): "وأسر بذلك بأن أمره".