فلا غَرْوَ أنْ نَهَض العلماءُ منذُ فجرِ الدَّعوةِ مشمِّرِينَ عن ساعِدِ الجِدِّ لشرحه وتفسيرِه، وبيانِ ما غَمضَ من معانيه، وحلِّ ما أَشْكَل على مَن يُعانيه.
ومِن أَجْلِ هذا ظَهَر على مَرِّ التَّاريخِ الإسلاميِّ تصانيفُ لا يَحْصُرُها العَدُّ، اخْتَلَفَتْ أساليبُها لكنَّ غايتَها كانت واحدةً، وهي تفسيرُ كتابِ اللَّه، وإيصالُه إلى أجيالِ الأُمَّة جيلًا إثْرَ جيلٍ، وتفهيمُ الأُمَّةِ معانيَه، وما فيه مِن عِبَرٍ وأمثال، وحِكَمٍ وأحكام، وبلاغةٍ لا تُرام، وخيرٍ عمَّ الأَنام؛ لتُدْرِكَ هذه الأُمَّةُ عَظَمتَه، فتتمَسَّكَ به، وتجتهدَ في اتِّباعِه والعملِ بمُقْتضاه، ودعوة الخلقِ إليه.
وهذه التصانيفُ كانت متفاوِتةً مِن حيثُ الفائدةُ، وبعضُها يقدَّمُ على بعضٍ، بل قد يكونُ بعضُها أصلًا والآخَرُ فَرْعًا، فإنَّ منها ما يُمْكِنُ أنْ يُعَدَّ فَرْدًا في بابِه، وإمامًا في محرابِه، وأساسًا في موضوعِه، بحيثُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ مَثَلًا: إنَّ ما جاء بَعْدَه ليس كالذي كان قَبْلَه، فيُقالَ مثلًا: إنَّ ما أُلِّفَ قبل "تفسير الطبري" في التَّفسيرِ بالمأثورِ ليس كما أُلِّفَ بَعْدَهُ، وإنَّ ما كُتِبَ في معاني القرآنِ وبلاغته قبلَ "كشَّاف" الزَّمَخْشريِّ ليس كالذي كُتِبَ بعدَه، وإنَّ موضوعَ أحكامِ القرآنِ قبلَ "الجامع لأحكام القرآن" ليس كموضوعِه بَعْدَهُ، وإنَّ كُتبَ إعرابِ القرآنِ قبلَ "بحر" أبي حيَّانَ ليست كالتي أَعقبت "بحره".
وجاء مِن التفاسيرِ بعد تلك الأمَّهات ما هو تَبَعٌ لها، فهَذَّبَ ونَقَّحَ، وزادَ ورَجَّحَ، وشَرَحَ وصَحَّحَ، ومع أن هذه أيضًا لا تُنْكَر مكانتُها وفضلُها، لكنْ يَبْقَى الفضلُ للسَّابق ولو أجادَ اللَّاحِق.
وكان هناك كثيرٌ من التفاسير التي حَوَت فنونَ التفسير من الآثارِ والأحكامِ والمعاني والإعرابِ واللغة، لكنْ لم يكن فيها ما يجعلها متميِّزةً عن باقي التفاسير.