وهذا التفسيرُ الذي بين أيدينا لا يمكنُ إلا أنْ يعدَّ من تلك الأمَّهات، بل هو كتابٌ فريدٌ في بابه، لم يَنسجْ أحدٌ على مِنواله، جامعٌ للفرائد، زاخرٌ بالفوائد، قد خُطَّ بيدٍ دَرِبة خبيرة، ذاتِ فكرٍ ثاقبِ البصيرة، فمؤلِّفهُ قد فاق أقرانه علمًا وفضلًا، وكُتبه في الفقه وغيره معروفةٌ شرقًا وغربًا، كما أنه عالمٌ باللغة والنحو مشهودٌ له بذلك، وهو مع ذلك من المتقدِّمين المعاصرين لأئمةِ التفسير الكبار أمثالِ الزمخشريِّ وابنِ عطية وطبقتهما، فلم ينهلْ من كتبهم، ولا اتَّكأ على أقوالهم، فتفسيرُه لذلك يعدُّ من المراجع الهامَّةِ التي استفاد منها كثيرٌ ممَّن جاء بعده من المفسِّرين وغيرهم، وذلك لِمَا حوَاهُ من العلوم والآثار، وما ضمَّه من النِّكاتِ والأفكار، والتي أكثرُها من إبداعه، لا نقلًا عن غيره كما هو شأنُ الكثير من المفسِّرين الذين يعوِّلون في تفاسيرهم على النقل عمَّن سبَقهم.
وقد سعى فيه المؤلِّف لتحقيقِ أمرين اثنين:
الأول: الارتقاءُ بالإيمان والتقوى، وذلك لكثرةِ ما حواه من المواعظ والحكَم، والتذكيرِ باللَّه، ونقل عباراتِ العلماءِ العاملين، وأهلِ الزهدِ المخلِصين.
والثاني: الارتقاءُ بالعلم بالقرآن لغةً وإعرابًا، وتفسيرًا وتأويلًا، مع حشد الأقوال ونقل الآثار، مما تفرَّد بكثير منه هذا التفسير، فما له في الكتب المطبوعة من نظير، وقد سماه:
"التيسير في التفسير"
فكان اسمًا على مسمًّى، فهو ميسَّرٌ لمن قرأه، ميسِّرٌ معرفةَ التفسير على مَن طالَعه.
وقد أكرمَني اللَّه سبحانه بتحقيقه بعد مدَّةٍ طويلةٍ من العملِ في كتبِ التفسير