للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقالوا: ما يتستَّر هذا التستُّر إلا من عيبٍ بجلده؛ إما برصٌ وإما أدرةٌ وإما آفةٌ، وإن اللَّه عز وجل أراد أن يبرِّئه مما قالوا، وإن موسى عليه السلام خلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجرُ ثوبي حجرُ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عُريانًا أحسن الرجال خلقًا، وبرَّأه (١) اللَّه مما كانوا يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فواللَّه إن بالحجر لنُدَبًا من أثرِ ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية" (٢).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: هذا وَحشٌ من القول وتأويلٌ بعيد (٣)، والأشبهُ أن يقال: إن كلَّ قوم نسبوا رسولهم إلى الجنون مرةً وإلى السحر مرةً والكذبِ أخرى ونحوِ ذلك، على علم منهم أنه رسول اللَّه، وكانوا يتأذَّون به جدًّا، ولذلك قال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: ٥] فكذا في حق رسولنا -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤).

وقيل: كان موسى إذا تقدَّم القومَ في المسير قالوا: يتكبَّر علينا، فإذا توسَّطهم قالوا: يخاف على نفسه فيتحصَّن بنا، وإذا تأخر عنهم قالوا: يسوقنا كما يسوق الراعي الغنم، وإذا مشى على جانب منهم قالوا: يأنف من صحبتنا، فكانوا يؤذونه بكل حال.


(١) في (ف): "وأبرأه".
(٢) رواه البخاري (٣٤٠٤)، ومسلم (٣٣٩).
(٣) حاشا أن يكون هذا وحشًا من القول، فإن هذا تفسير من لا ينطق عن الهوى بالأسانيد المتفق عليها! وقد أبعد الإمام أبو منصور وأوحش في هذا القول.
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٤١٨ - ٤١٩).