للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَتَمَاثِيلَ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: كانوا يصنعون تماثيل الأنبياء والصالحين ليُقتدَى بهم (١).

وقال أبو العالية: لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرَّمًا، وإنما حرم على هذه الأمة (٢).

وقوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ}: أي: صِحافٍ كبيرةٍ كالحياضِ، والواحدة: جابيَة، ومعناه: جامعةٌ للماء، وحذفت الياء من (الجوابي) تخفيفًا.


(١) لم أقف عليه عن ابن عباس، لكن ذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم دون عزو، منهم الفراء في "معاني القرآن" (٢/ ٣٥٦)، والواحدي في "الوسيط" (٣/ ٤٨٩)، وتاج القراء الكرماني في "تفسيره" (٢/ ٩٢٨)، والبغوي في "تفسيره" (٦/ ٣٩١)، والزمخشري في "الكشاف" (٣/ ٥٧٢). وهو قول مردود لا دليل عليه من الشرع، بل هو مخالف لشرعنا، ومع هذا فلا نجر فيه يعتمد عليه، ثم كيف يرضى شرع نبي من أنبياء اللَّه بصنع تماثيل للأنبياء والصالحين لأجل الاقتداء، مع أن هذا هو نفسه سبب ضلال كثير من الناس والأمم كما سيأتي في تفسير سورة نوح، وقد رام بعض المفسرين تبرير ذلك فلم يأت بشيء، قال الزمخشري: (فإن قلت: كيف استجاز سليمان عليه السلام عمل التصاوير؟ قلت: هذا مما يجوز أن تختلف فيه الشرائع؛ لأنه ليس من مقبحات العقل كالظلم والكذب). وكأنه غفل عما جاء في أصنام قوم نوح من أن أصنامهم هي في الأصل لرجال صالحين، صنعوها لهم بعد موتهم بوسوسة الشيطان ليذكروهم بها، فلما طال العهد بهم عبدوها من دون اللَّه، وهو ما رواه البخاري (٤٩٢٠) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: صارت الأوثانُ التي كانت في قومِ نوحٍ في العرب بعدُ، أما وَدٌّ كانت لكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأما سُوَاعٌ كانت لهُذَيلٍ، وأما يغوثُ فكانت لمُرادٍ، ثُم لبني غُطَيْفٍ بالجَوف، عند سبإٍ، وأما يَعُوقُ فكانت لهَمْدانَ، وأمَّا نَسْرٌ فكانت لحِمْيَرَ لآلِ ذي الكَلاعِ، أسماءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبدْ، حتى إذا هَلَك أولئك وتَنَسَّخ العلمُ عُبِدَت.
(٢) ذكره الزمخشري في "الكشاف" (٣/ ٥٧٢).