للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: بَطِروا وأساؤوا السيرةَ، وجهلوا قَدْر النعمة والعافية (١)، وسألوا اللَّه تعالى أن يبعِّد أسفارهم.

روي أنهم قالوا: ليت أن أسفارنا تباعَدَت، فكنَّا نركب البحار ونحملُ معنا الأزواد ونقطع المفاوِز متنزِّهين، ولزيادة الأموال بالتجارة متكسِّبين، وهذا كجهل قوم موسى في قولهم: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: ٦١]، وسؤالِهم ما سألوا.

وإلى هاهنا على قول بعضهم بيانُ أولِ أحوالهم: أنه كان لهم جنتان، وكانت منازلهم إلى الشام في الأسفار متقاربةً متيسِّرةً، فملُّو ذلك وسألوا تباعُدَ الأسفار، فبدَّلهم اللَّه بجنتَيهم جنَّتين، وأيبس بلادهم وغوَّر مياههم وأهلك أموالَهم، وفرَّقهم في البلاد، وبعَّد أسفارهم، وذلك قوله:

{وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}: بخَسوها حظوظَها من النعمة والعافية والدَّعَة {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} يتحدَّث الناس بعدهم بما جرى عليهم فيتمثَّلون به، فيقولون: تفرَّقوا أيدي سَبَا، و: أيادي سَبَا (٢)، قال الشاعر:

من صادرٍ وواردٍ أيدي سَبَا (٣)


(١) في (ر): "وجهلوا قدر العافية"، وفي (ف): "وجهلوا قدر العاقبة".
(٢) أي: تفرقوا مذاهب سبأ وطرقها؛ أي: تفرقًا لا اجتماع بعده. انظر: "معاني القرآن" للنحاس (٥/ ٤١٠)، و"مجمع الأمثال" للميداني (٢/ ٢٧٥).
(٣) الرجز لدكين الراجز كما في "الفاخر" للمفضل بن سلمة (ص: ٢٢)، وللعجاج كما في "المقصور والممدود" للقالي (ص: ٢٧٤)، ودون نسبة في "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٣٥٨)، و"الألفاظ" لابن السكيت (ص: ٤٠)، و"معاني القرآن" للزجاج (٤/ ٢٥١)، و"البسيط" للواحدي (١٨/ ٣٥٢)، و"المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (٢/ ٩٠). والرواية في بعض المصادر: (من صادر أو وارد. . .)، وفي الذي قبله اختلاف بين المصادر، وهو عند الفراء وبعضهم:
عينًا ترى النّاس إليها نَيْسَبَا