للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال كثيِّر عزَّةَ:

أيادي سبا يا عَزُّ ما كنتُ بعدكم... فلم يَحْلُ للعينين بعدَكِ منظرُ (١)

وقوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}: أي: فرَّقناهم في البلاد كلَّ مفرَّقٍ.

قال الشعبي: أمَّا غسانُ فلحقوا بالشام، وأمَّا الأنمار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعةُ فلحقوا بتِهامةَ، وأما الأَزْد فلحقوا بعُمَان (٢).

وقيل: كان أولُ حالهم ما ذكر في الآية الأولى، وزال ذلك بسيلِ العَرِم وبدَّل اللَّه تعالى جنتيهم بما بدَّل، فقالوا لنبيهم أو لأنبيائهم: سلُوا اللَّه تعالى حتى يُهيئَ لنا أسبابَنا فنشكرَ له ولا نكفرَه، فجعل اللَّه بينهم وبين الشام قرًى ظاهرةً سهُل عليهم الامتيار، وقرُبت عليهم الأسفار، فلم يشكروا وسألوا تبعيدَ الأسفار (٣).

وقرأ سهل ويعقوب (٤): {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} برفع قوله: {رَبَّنَا} على الابتداء و {باعَدَ} على الفعل الماضي (٥)؛ أي: شكَوا اللَّه، وسمَّوا هذه أسفارًا بعيدة، وعادوا إلى الكفران، فعوقبوا بالتمزيق (٦) في البلدان، وجُعلوا أحاديث.


(١) انظر: "المقصور والممدود" للقالي (ص: ٢٧٤)، و"معاني القرآن" للزجاج (٤/ ٢٥١)، و"البسيط" للواحدي (١٨/ ٣٥٢)، و"المستقصى في أمثال العرب" للزمخشري (٢/ ٩٠).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٩/ ٢٦٧).
(٣) ولا حاجة لمثل هذا التأويل المخالف لظاهر الآية، مع عدم الداعي للصرف عن الظاهر، بل الذي في الآية من اجتماع النعم كلها أولًا ثم زوالها بعد كفرهم جملةً أعظم في الاعتبار وأوقع في النفوس، فسبحان اللَّه كيف يذهب مثل هذا على البعض حتى يتحولوا إلى أمثال هذه التأويلات البعيدة عن روح النص القرآني، وكيف يُذهبون دون قصد بمثل هذه الأقوال جماله وروعته.
(٤) "سهل ويعقوب" ليس في (أ) و (ف).
(٥) انظر: "النشر" (٢/ ٣٥٠) عن يعقوب.
(٦) في (أ): "بالتفريق".