للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما قال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء: ١٣٤] (١).

وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}: هو كلُّ قولٍ مَرْضيٍّ عند اللَّه لا خَبَثَ فيه.

{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}: هو كلُّ فعلٍ حسنٍ لا فسادَ فيه.

وذكر في الأول الصعود إليه وفي الثاني الرفع إليه، وتقديره: والعمل الصالح يرفعُه اللَّه إليه، ولا يُتوهَّم منهما المكانُ تعالى اللَّه عن ذلك، لكن المراد قبولُهما، ووجهُ ذلك: أن أعمال العباد تكتبها الحفَظة ويرفعونها في السماء إلى حيث أمر اللَّه تعالى، فتوضع للحفظ ثم يجاء بها يومَ القيامة للقراءة والحساب بها والجزاءِ عليها، وذلك قوله: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: ١٨].

وتقدير الآية: إلى السماء يصعد كتاب الكَلِم الطيب، والعملُ الصالح يرفعُ اللَّه كتابَه إلى السماء، فذكر أحدهما وصعودَه والآخرَ ورفعَه ومعناهما واحد.

وقيل: تقديره: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} أيضًا، فالصعود لهما جميعًا، ثم قال: {يَرْفَعُهُ}؛ أي: اللَّه تعالى هو الذي يرفع ذلك، ولم يقل: يرفعُهما؛ لوجهين:

أحدهما: أن معناه: يرفع ذلك أو يرفع المذكور؛ كما قال: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: ٦٨] على الإفراد مع تقدم ذكر الاثنين.

والتاني: أن الكناية قد ترجعُ إلى أحد المذكورَين لفظًا ومعناه رجوعُها إليهما كما في آيات: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} [النساء: ١١٢] {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: ١١].


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٤٧٣).