للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ}: يعلم ما يُضمرون {بَصِيرٌ}: يرى ما يُظهرون.

وإذا حُمل قوله: {يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} على التوراة والإنجيل، فقوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} على الماضي؛ أي: وقد صلَّوا وزكَّوا قبل مجيء محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقوله تعالى: {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} هو ما قال {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: ٥٤]؛ {إِنَّهُ غَفُورٌ}؛ أي: لِمَا كان منهم قبل الإيمان بمحمد {شَكُورٌ} لإيمانهم به {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} وهو القرآن لا يخالفُ ذلك بل يوافقُه {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} لعلمه بهم وبمصالحهم أنزل عليكم وعليهم الكتبَ لبيان مصالح الدِّين والدنيا.

* * *

(٣٢) - {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}: أي: ثم نخبركم أنَّا أعطينا الكتاب؛ أي: هذا الكتاب وهو القرآن.

وقال الإمام القشيري: سماه ميراثًا لأنه بغيرِ كسبٍ، والإرثُ يُستحقُّ بنسَب وسبب، والنسب هاهنا هو الإيمان والسبب الطاعة، ففي الأول (١) يُبدأ بصاحب الفرض وقد يقل نصميبه، فكذا هاهنا بدأ بالظالم ونصيبُه أقلُّ من نصيب الآخرين (٢).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا}: أي: هذه الأمةَ الذين اخترناهم {مِنْ عِبَادِنَا}؛ أي: وهم من خواصِّنا وهم ثلاثُ طبقات:


(١) في (أ): "الإرث".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٣/ ٢٠٤)، والكلام فيه بنحوه.