للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فشهدت بها، ثم أنطق اللَّه ألسنتَهم حتى تعاتِب الجوارح على نُطقها، وذلك قوله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}.

قال: وفيه دليل على أن النطق الذي يكون من اللسان لا يكون لأنه لسان، ولكن للُّطف الذي يجعله اللَّه في اللسان فينطقُ، فحيثما جعَل اللَّه ذلك اللطف والمعنى (١) في أيِّ جارحةٍ ما جعل نَطقت، ولو كان النطق لنفس اللسان لكان يجب أن ينطق لسان كلِّ ذي لسانٍ لِمَا له اللسان، فإذا لم ينطق دلَّ أنه لِلُّطف (٢) الذي جُعل فيه، وكذلك عملُ كل جارحةٍ من السمع والبصر والذوق والشم وغيرِ ذلك، اختصَّ كلَّ جارحةٍ بشيء من ذلك اللُّطف الذي جعل فيه لذلك (٣).

* * *

(٦٦) - {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}.

وقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ}: أي: في الدنيا {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ}؛ أي: على أعين هؤلاء الكفار؛ أي: لأعميناهم ومحَوْنا نورَ أبصارهم.

{فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ}: أي: فبادروا في أول العمَى إلى الطريق ليَسلكوه إلى منازلهم أو مَقْصِدٍ آخر فلم يقدروا على ذلك، هذا مضمَرٌ.

{فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}: أي: فكيف يبصرون بعدما أعميناهم؟

* * *


(١) في (ف): "ذلك اللطف والمعنى الذي يجعله في اللسان" وفي (ر): "ذلك اللطف الذي يجعله في اللسان"، والمثبت من (أ) وهو الموافق لما في "التأويلات".
(٢) في (ر) و (ف): "اللطف".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٥٣٤).