للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُقتَل، فمَن يشهدُ لي؟ قال يونس: تشهدُ لك هذه الشجرة وهذه البقعة، فقال الغلام ليونس: مُرْهما، قال لهما: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالتا: نعم، فرجع الغلام إلى قومه، فأتى الملكَ، فقال: إني قد لقيتُ يونس، وهو يقرأ عليكم السلام، فأمر به أن يُقتَل، فقال: إنَّ لي بينةً، فأَرسل معه، فانتهَوا إلى البقعة والشجرة، فقال لهما الغلام: أنا أَنشُدُكما اللَّهَ: هل أشهدَكما يونس؟ قالتا: نعمْ، فرجع القوم مذعورين، فأتوا الملك فحدَّثوه بما رأوه، فتناول الملكُ بيد الغلام، فأجلسه في مجلسه، فقال: أنت أحقُّ بهذا المكان مني".

قال عبد اللَّه بن مسعود: فأقام به الغلام أربعين سنة (١).

وذُكِرَ أنَّ اللَّه تعالى أوحى إلى يونس عليه السلام بعد نجاته: أنْ قل لفلانٍ الفخَّارِ يكسرِ الجِرار التي عملها بهذه السنة كلها، فقال يونس: يا رب! إنه عمِل مدةً في اتخاذ ذلك، فكيف آمرُه أنْ يكسرَه كله؟! فقال: يا يونس! يرِقُّ قلبُك لخزَّافٍ يُتلِفُ عمَلَ سنةٍ، وأردتَ أنْ أُهلِكَ مئة ألف أو يزيدون من عبادي؟ يا يونس، أنتَ لم تخلقهم ولم توجدهم، ولو كانوا مِن عمَلِكَ لرحمتهم (٢).

* * *

(١٤٩) - {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}.

وقولُه تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}: أعاد الكلام إلى مُحاجَّة المشركين في وصفهم اللَّهَ تعالى باتخاذ البنات.

يقول: فاسأل هؤلاء المشركين عن قولهم: إنَّ الملائكة بنات اللَّه، وإنهم يعبدونهم


(١) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣١٨٦٧)، وابن أبي الدنيا في "العقوبات" (١٧١)، والنحاس في "إعراب القرآن" (٥/ ١٥٢) موقوفًا على ابن مسعود رضي اللَّه عنه.
(٢) ذكره القشيري في "لطائف الإشارات" (٣/ ٢٤٢).