للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجماعة الذين يخدمهم رئيس يعترف الباقون برئاسته، وأنهم دونه في منزلته، وأنَّ سبيلهم أن يتشفَّعوا (١) لمن يخدمهم عند هذا الرئيس، فكلُّ عاقل يعلم أنه لا معنى في إِتْعاب هذا الخادم بدنَه في قسمة خدمته بينهم، وأنَّ الأَلْزَم له (٢) والأَرْوَحَ لبدنه أن يُفرد ذلك الرئيس بالخدمة، لا سيما إذا كان ذلك يدعوه إلى نفْسِه، ويضمن له بلوغ الأمل إذا أفرده لخدمته.

ثم ضرَبَ مثَل المُخْلِص الموحِّد، فقال:

{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {سالِمًا}، وقرأ الباقون: {سَلَمًا} (٣).

و"السَّلَم": الاستسلام، مصدر أُريد به النعت.

أي: رجلًا قد خلَصَ لرجل، فصار له بحيث لا يَشوب بخدمته خدمةَ غيره (٤)، ولا يوجِّه أمله إلى سواه، فقد تكامل حقُّه عليه، واجتمعت محبته وخدمته وعبوديته كلها له، ففي العقول السليمة أنَّ هذا المخدوم قد لزمه ذِمامُه، ووجب عليه حقُّه، وأنَّ هذا الخادم يفوز بكلِّ ما يؤمِّله مِن خدمته، خصوصًا إذا كان المخدوم كريمًا واسعًا لحقوق خدَمه، مع ما يُريح هذا الخادم مِن مُؤْنة كثرة التَّعَب في الخدمة، وتشعُّبِ الفكر في إرضائهم.

وقولُه تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}: أي: هل يستوي هذان الرجلان في الوصف؟!


(١) في (ر): "يشفعوا".
(٢) في (ر): "الإكرام له"، وفي (أ): "الألزم"، بدل: "الألزم له".
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٦٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٩).
(٤) في (ر): "لا يشوب بخدمته غيره"، وفي (ف): "لا يشرك بخدمته خدمة غيره".