للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طلَع قَرْن الشمس ضرَبَ ظِلُّ ذلك الصَّرْح مَيْلًا نحو المغرب، وإذا غرَبت ضرَب ظِلُّه ميلًا نحو المشرق، وكان أساسه على جبل، فزلزل اللَّه تعالى ذلك الجبل والصَّرْح مِن قواعده، والناس في أعلاه وأسفلِه وأوسطِه وحولَه، فانهدم بهم مِن غير وَهْن ولا ضَعْف في عمله، فدمر اللَّه تعالى أهلَه، حتى لم يُبْقِ منهم أحدًا إلا أهلكَه، فلم يَبْقَ أحد مِن خَلْق اللَّه عمِلَ فيه عملًا بشيء مِن أرض مصر إلا أصابه موت أو حريق أو عاهة، فأما مَن كان مِن نجَّار أو حدَّاد فيَبِست أيديهم، وأما الذين يطبُخون الآجُرَّ والجَصَّ فاحترقوا، وأما القَهارمة (١) والعُمَّال فماتوا، فدمر اللَّه تعالى ذلك كله فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وكانوا يعملون فيه بالنهار، والليل بالسُّرُج لا يفتُرون، حتى أهلكهم اللَّه تعالى على شرِّ حال (٢).

* * *

(٣٨ - ٣٩) - {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (٣٨) يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.

وقولُه تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}: أي: قال ذلك هذا الذي آمنَ مِن آل فرعون.

{يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}: أي: لا يغُرَّنكم ما أنتم فيه مِن المُلْك في الدنيا، والظُّهور في الأرض، فيَشغلكم ذلك عن تدبر آيات اللَّه، فإن اللَّه تعالى خلَقَ الدنيا دار نُقْلة يُتمتَّع بها قليلًا ثم تنقضي.


(١) القهارمة: مفرده: قهرمان، وهو الحفيظ على من تحت يده، وأصله فارسي. انظر: "المحكم" لابن سيده (٤/ ٤٥٩).
(٢) ذكره مختصرًا من سياق آخر: الثعلبي في "تفسيره" (٧/ ٢٥٠)، والبغوي في "تفسيره" (٦/ ٢٠٨).