للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قولُه تعالى: {وَكَذَلِكَ}: أي: وكالذي ذكَرْناه {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}: في الشرك والتكذيب والجدال في آيات اللَّه.

{وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ}: قرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الصاد؛ أي: مُنِعَ، وقرأ الباقون بفتحها؛ أي: أعرَضَ (١).

والسَّبيلُ: هو الطريق الحق إذا أُطلِق؛ لأنَّه ما يُفْضي بسالكه إلى المقصود، فما لا يُفْضي بسالكه إلى الصواب فليس بسبيل.

{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}: قيل: في بُطلان. وقيل: في خَسار. وقيل: في هلاك. وقيل: في ضلال.

وقال وهب بن مُنبِّه رضي اللَّه عنه: فجمَعَ هامان العمال والفَعَلَة، فلم يتركْ أحدًا بيده مِهْنة مِن عمل البنيان إلا جمَعَ لذلك الصَّرْح، حتى اجتمع فيه خمسون ألف بنَّاء يبنون، سوى مَن يطبُخُ الآجُرَّ والجَصِّ، وينجُرُ الخشب، ويُصوِّر الأبواب، ويضرِبُ المسامير، فأولئك عِدَّةٌ يُحصيها إلا اللَّه، فلم يزَلْ كذلك، ويرفع اللَّه بُنيانه، ويُملي له ويستدرجه، حتى إذا ارتفع بُنيانه على ما أراد ارتفاعًا لم يبلُغْه بُنْيانُ أحدٍ منذُ يومِ خَلَق اللَّه السماوات والأرض، لا يزداد بُنْيانه إلا شدةً وارتفاعًا في السماء (٢)، ولا يأمرُ فيه بأمر ولا يُشارُ عليه فيه بأمر إلا أمضاه اللَّه تعالى له، يَكيدُه بذلك ويستدرجُه وهو لا يشعُرُ، وكلما همَّ موسى بجهاده أوحى اللَّه تعالى إليه: أنْ دَعْه وما يريد، فإني أوشك أنْ أفجعَه في ساعة واحدة، وأُبطِلَ كل شيء عمِلَه، فكفَّ موسى ينتظر أمرَ اللَّه ووحيَه، حتى إذا كان يومٌ مِن الأيام، وقد بلَغ الصرْح مبلغًا لم يبلُغْه بُنْيانٌ قطُّ، كان إذا


(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٧١)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٣).
(٢) في (ر): "الهواء".