للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا}: أي: بِناءً عاليًا طويلًا على هيئة القَصر؛ أي: قال فرعون -حين حاجَّه خربيل بهذه المحاجَّة، وخاف على القوم اتِّباعَه، وأراد تلبيس الأمر على الضَّعَفة- لوزيره هامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا}: أي: قصرًا عاليًا.

{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ}: ترجمة عنه؛ أي: أبوابَ السماء وطرُقَها الموصِلةَ إليها.

{فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}: قرأ عاصم في رواية حفص: {فَأَطَّلِعَ} بالنَّصْب بالفاء في جواب التمني، وقرأ الباقون بالرفع عَطْفًا على قوله: {أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (١)؛ أي: فأنظر إليه نظَرَ مُشْرِفٍ عليه توَهُّمًا منه -أوْ إيهامًا- أنه جسم تحويه الأماكن، حتى تكونُ بعض الأماكن فوقه، تعالى اللَّه عن ذلك علوًا كبيرًا.

إذ كان فرعون موصوفًا بهذا، ويدَّعي مع ذلك إلهيَّةَ نفْسِه، وكان أراد بما أضافه إلى اللَّه تعالى تقريبَ معنى إلهيَّةِ نفْسِه مِن نفوس الجهَلة مِن قومه؛ أي: فإنْ وجدتُّه هناك نظرْتُ في أمري وأمره، وهل هو كما يصِفُه موسى أم لا؟ وإنْ لم أجِدْه فهو معدوم ليس بموجود؛ لخُلُوِّ السماوات والأرض منه، وكفى خِزْيًا للمُجسِّمة أنْ يكون اعتقادهم في اللَّه كاعتقاد فرعون.

وقيل: كان هذا إيهامًا لضَعَفة قومه (٢) الذين لا تمييزَ لهم أنه تمكَّنَ مِن صعود السماء -وإنْ كان عند نفْسِه عالمًا بامتناع ذلك عليه- إرادةَ التَّسْكين منهم، فإنْ لم يكن هذا، فقد كان فرعون في غاية الجهل والغِواية والغَباوة.

وقولُه تعالى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}: أي: وإني لأتيقَّنُ بكون موسى كاذبًا فيما يدَّعيه، ولكنْ أفعل هذا لإزالة الشُّبهة عمن لا يتيقَّنُ تيقُّني.


(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٧٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٧٢).
(٢) في (ر) و (ف): "للضعفة".