للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تعقَّبه فقال: وقال عامةُ المفسِّرين وهو الصحيحُ: هذا خطابٌ منه للَّه تعالى ومناجاةٌ معه، لأن جبريل عليه الصلاة والسلام بشَّره من اللَّه تعالى، فخاطَب به اللَّهَ تعالى، ودعا اللَّهَ الولدَ فاستجابَ له.

- ونحوه في قوله تعالى: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] قال: وما قال مقاتلٌ وقتادةُ والرَّبيعُ بن أنس: إنَّ ذلك كان عقوبةً له حيث سألَ الآيةَ بعد البشارةِ، فذلك باطلٌ، ولا يليق بحال الأنبياء، ولم يكن سؤالُه جنايةً، ولا منعُه عن الكلام عقوبةً، لِمَا قلنا: إنَّ سؤالَه لماذا كان، ومنعُه عن كلام النَّاس مع شَغلِه بذكرِ اللَّهِ تعالى أعظمُ الكرامات وأرفعُ الدَّرجات.

وقريبٌ من هذا عنايتُه بحلِّ الإشكالات، والإجابةِ عمَّا يُتوهَّم فيه التناقُض:

- ففي قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: ٦] قال: ثم في الآيتين نفيُ العلم عنهم بقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وإثباتُ العلم لهم بقوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ولا تناقُضَ فيه، فإن الأول نفيُ العلم بأمور الدِّين، والثاني ثبوتُ العلم بأمور الدنيا، ولأن الأول نفيُ الانتفاع بالعلم بما ينبغي، والثاني صرفُ العلم إلى ما لا ينبغي، ومن العلم القاصر أن يهيِّئ الإنسان أمورَ شتائه في صيفه وأمورَ صيفه في شتائه وهو لا يَتيقَّن بوصوله إلى ذلك الوقت، ويقصِّرَ في الدنيا في إصلاح أمور معاده ولا بد له منها.

- وفي قوله تعالى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: ١٧] قال: ثم الجمعُ بين الأمرين وأحدُهما مكروهٌ والآخرُ محبوب -والمذكور في صدر الكلام هو العصمة- يُشْكِل بظاهره، لكنْ تقديرُه في الثاني: ومَن يمنعِ اللَّهَ مِن أن يرحمَكم إن أراد بكم رحمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>