للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}: أي: عِبْرةً؛ لأنَّه مِثالٌ يُتَمَثَّلُ به، ويثبُتُ به تشابُهُ الجُزْأَين بتشابُه الفِعْلَين، والمَثَلُ: الشَّبَهُ.

وقولُه: {لِلْآخِرِينَ}؛ أي: في السَّلَف والمَثَل جميعًا؛ أي: سلَفًا للآخِرين إذا ماتوا، ومَثَلًا لهم قَبْلَ أنْ يموتوا.

* * *

(٥٧) - {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}.

وقولُه تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}: لَمَّا نزَلَ قولُه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} قال المشركون: إنَّ النصارى يقولون: إنَّ عيسى إلهٌ يُعبَدُ مع اللَّه، فرَدَّ اللَّهُ قولَهم عليهم بهذه الآيات: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} (١).

أي: ولَمَّا جُعِلَ عيسى ابنُ مريم شَبَهًا للَّه تعالى؛ أي: قالت النصارى: إنَّه ابنُ اللَّهِ وثالثُ ثلاثةٍ {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}؛ أي: جعَلَ قومُكَ يا محمد -وهُمْ قريشٌ- منه يصُدُّون؛ أي: مِن أجلِه عن التوحيد يُعْرِضون، وهذا على قراءةِ ضمِّ الصاد، وهي قراءةُ نافعٍ والكسائيِّ، ومَن قرأَ {يَصِدُّونَ} بكسرها، وهي قراءةُ الباقين (٢)، فمعناه: يضِجُّون سُرورًا منهم بوُجود مَن يُوافِقُهم في عبادة غير اللَّه تعالى.


(١) روى نحوه الإمام أحمد في "مسنده" (٢٩١٨)، والطبراني في "الكبير" (١٢٧٤٠)، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما. وانظر: "تفسير مقاتل" (٣/ ٧٩٨)، و"أسباب النزول" للواحدي (ص: ٣٧٦).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٨٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١٩٧)، ووافق ابنُ عامر نافعًا والكسائيَّ في ضم الصاد.