مِن التَّمييز بين المُحِقِّ والمُبْطِل والمُسِيء والمُحْسِن، ولن يكونَ هذا إلَّا مُتَعَلِّقًا بالأمر والنهي، وفي هذا وجوبُ مجيءِ الأنبياءِ، وفي عدمِ تحقيقِ الوَعْدِ والوعيدِ في الدنيا في كثيرٍ مِن الناس ما يَقتضي دارًا غيرَ دارِ الأمرِ والنهيِ تَحْقيقًا للوعد والوعيد، فمتى تدبَّرَ العبدُ في ذلك ووفَّاه حَقَّه (١) رقَّاهُ إلى الدرجةِ التي صحَّ له القولُ بالحقِّ، ووضَحَ له بُطْلانُ الشركِ، وباللَّه المَعونَةُ.
وأبانَ بما قال:{لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ}، و {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، و {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أنَّ هذه الآياتِ إنما تُدْرَكُ بهذه الثلاثة:
فالإيمانُ: هو التَّصديقُ بالغَيبِ الذي معناه راجعٌ إلى ما تقومُ عليه أدلَّةُ العُقولِ.
والإيقانُ: هو زوالُ الشَّكِّ فيما يشهدُ له دلائلُ العقلِ.
والذين يعقلون: هم الذين يستعملون عقولَهم في تدبُّر ما يُدْعَون إليه مِن الحقِّ.
وفيه تنبيهٌ أنَّ الإيمانَ لا يتِمُّ إلا بالإيقان، والإيقانَ لا يحصُلُ للعبد إلا بتأمُّلِ دلائل العقل.