لكن روي عن الحسن خلافه، وهو أن المراد بالآية: في الدنيا، رواه مطولًا ومختصرًا الطبري في "تفسيره" (٢١/ ١٢٢)، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص: ٦٦٥) واستحسنه كما تقدم وسيأتي، والثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٨)، وذكره السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٢٨٦)، والماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ٢٧٢)، والسمعاني في "تفسيره" (٥/ ١٥٠)، والزمخشري في "الكشاف" (٤/ ٢٩٨). وهذا القول هو المرجح عن أكثر العلماء، وقد ذكرنا بعض ذلك في السابق، وهو الذي اختاره الطبري فقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دلّ عليه التنزيل، القول الذي قاله الحسن البصري) ثم أفاض في تعليل سبب اختياره لذلك. وكذلك النحاس استحسنه كما تقدم، ومما قال فيه زيادة على ما ذكرنا: وهذا أصحُّ قولٍ وأَحسنُه لا يَدْري -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يَلْحقُه وإيَّاهم من مرضٍ وصحةٍ ورُخْصٍ وغلاءٍ وغنًى وفقرٍ، ومثلُه {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨]. وفي كون معنى هذه الآية في الدنيا وجوه ذكرها ابن الفرس في "أحكام القرآن" (٣/ ٤٨٧) فقال: (وذهب الحسن بن أبي الحسن وغيره إلى أن معنى الآية: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من أن أنصر عليكم أو تنصروا علي. وذكر بعضهم عن الحسن أن معناها: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من غلاء أو رخص أو مرض أو غير ذلك من الأحداث. وقال قوم المعنى: ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وما يلزم الشريعة من أغراضها. وقال بعضهم: نزلت الآية في أمر كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينتظره من اللَّه تعالى في غير الثواب والعقاب. وروي عن ابن عباس أنه لما تأخر خروج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكة حين رأى في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وسبخة قلق المسلمون لتأخره فنزلت الآية. فالآية في هذه الأقوال كلها إنما هي في أمور الدنيا. ولا خلاف على ذلك بأن الآية محكمة). وما ذكره آخرًا عن ابن عباس سيأتي قريبًا تخريجه.