وهذا القول بكونها في المعاد وبالنسخ لم يرتضه أكثر العلماء، قال ابن الجوزي: والقول بنسخها لا يصح؛ لأنه إذا خفي عليه علم شيء ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ، وقال النحاس: محال أن يقول رسول اللَّه للمشركين: ما أدري ما يفعل بي وبكم في الآخرة، ولم يزل يخبِر أن من مات على الكفر يخلد في النار ومن مات على الإيمان فهو في الجنة، فقد دَرَى ما يفعل به وبهم في الآخرة، والصحيح في معنى الآية قول الحسن: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا. انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: ٢٢٧)، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: ٦٦٥). وقال أبو حيان: هذا القول ليس بظاهر، بل قد أعلم اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام من أول الرسالة بحاله وحال المؤمن وحال الكافر في الآخرة. وقال الإمام الرازي: أكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا بأن النبي لا بد أن يعلم من نفسه كونه نبيا ومتى علم ذلك علم أنه لا يصدر عنه الكبائر وأنه مغفور وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكًا في أنه هل هو مغفور له أم لا، وبأنه لا شك أن الأنبياء أرفع حالًا من الأولياء، وقد قال اللَّه تعالى فيهم: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢] فكيف يعتقد بقاء الرسول وهو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكًا في أنه هل هو من المغفورين أم لا. انظر: "تفسير الرازي" (٢٨/ ١٠)، و"روح المعاني" (٢٥/ ٦٥). وسيأتي مزيد كلام فيه لاحقًا.