فإنَّ اللَّهَ جاعلٌ لكَ ولِمَن معكَ مِن المُسْتَضْعَفين فرَجًا ومَخْرَجًا، إنَّا قد عقَدْنا بيننا وبين القوم صُلْحًا، وأعطيناهم على ذلك كِتابًا، وأعطَونا عَهْدًا، وإنا لا نَغْدِرُ بهم".
ورُوِيَ أنَّ عمر رضي اللَّه عنه قام إلى أبي جَنْدَلٍ وجعل يمشي معه ويقول له: اصبِرْ يا أبا جَنْدَلٍ، فإنما هُم المشركون، وإنما دمُ أحدِهم مِثْلُ دمِ الكلب، قال: وجعَلَ يُدْني إليه قائمةَ سيفِه رجاءَ أنْ يأخُذَ منه السَّيفَ، فيَضْرِبَ به أباه، قال: فضَنَّ الرجلُ بأبيه.
فلما قضى الكتابَ، وأشهدَ على الصُّلْح رجالًا مِن المسلمين ورجالًا مِن المشركين، وانصرفَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَوَجِّهًا إلى المدينة بعدما أمرَ الناسَ بأنْ يُحِلُّوا، جاء عمرُ إلى أبي بكر رضي اللَّه عنهما، فقال: أليس رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: بلى، فقال: ألسنا مِن المسلمين؟ قال: بلى، فقال: ألسنا على الحقِّ وهُم على الباطل؟ قال: نعم، فقال: فعلامَ نُعطِي الدَّنِيَّةَ في دِيننا؟ قال أبو بكر: يا عمرُ، إنه رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنه يفعلُ ما يُؤْمَرُ، فالزَمْ غَرْزَه.
قال: ثم أتى عمرُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، ألستَ رسولَ اللَّهِ؟ قال: "بلى"، قال: ألسنا على الحقِّ وهُم على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نُعطِي الدَّنِيَّةَ في دِيننا؟ فقال: أنا عبدُ اللَّهِ ورسولُه، وإني أفعلُ ما أومَرُ، ولن يُضَيِّعَني اللَّهُ، قال: فكان عمرُ يقول: ما زلتُ أصومُ وأتصدَّقُ وأُعْتِقُ وأُصَلِّي مِن الذي صَنَعْتُ يومئذٍ مَخافةَ كلامي الذي تكلَّمْتُ به، وعَلِمْتُ يومئذٍ فَضْلَ عِلْمِ أبي بكر على عِلْمي.
قال: فلما انصرفَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قافلًا نحو المدينة حتى إذا كان بين مكةَ والمدينةِ نزلَتْ سورةُ الفتحِ، فما كان في الإسلام فتحٌ قَبْلَه أعظمَ منه، إنما كان القتالُ