للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن البيت، ولكن اكتُبِ اسمكَ واسمَ أبيكَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتُبْ هذا ما صالحَ عليه محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ سهيلَ بنَ عمرو على أنَّ الحربَ موضوعةٌ بين الناس عشرَ سنين، يَأْمَنُ فيه الناسُ، ويَكُفُّ بعضُهم عن بعض، على أنَّ مَن أتى رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن قريشٍ ردَّه عليهم، ومَن جاء قريشًا ممَّن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَرُدُّوه عليه، وأنَّ بيننا عَيْبةً مَكْفُوفةً (١)، وأنَّه لا إِسْلالَ ولا إِغْلالَ (٢)، ومَن أحبَّ أنْ يدخُلَ في عَقْدِ قريشٍ وعَهْدِهم دخَلَ فيه، ومَن أحَبَّ أنْ يدخُلَ في عَقْد رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَهْدِه دخَلَ فيه، وأنَّكَ ترجِعُ عنا عامَكَ هذا، فلا تدخُلُ علينا مكةَ، وأنَّه إذا كان العامُ القابلُ خَرَجْنا عنها فدخَلْتَها بأصحابكَ، فأقَمْتَ بها ثلاثًا ومعكَ سلاحُ الرَّاكبِ، والسُّيوفُ في القُرَب، لا تدخلُها بغيرها.

فبينا رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يكتُبُ الكتابَ وسهيلَ بنَ عمرو إذْ أقبَلَ أبو جَنْدَلِ بن سُهيلِ ابن عمرو يرسُفُ (٣) في قيوده، قد انفلَتَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رآه سُهيلٌ قامَ إليه، وضرَبَ وجهَه، وأخذ بِلَبَّتِه، وقال: يا محمد، هذا أوَّلُ العهدِ، ورسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنا لم نختِمِ الكتابَ بعدُ، فأَجِزْ لي هذا الواحدَ فقال: واللَّهِ لا أفعَلُ، فردَّه رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل أبوه يَجُرُّه معه، وجعلَ أبو جَنْدَلٍ يصرَخُ بأعلى صوته: يا مَعْشَرَ المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين يَفْتِنوني عن ديني؟! فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبا جَنْدَلٍ، احتسِبْ،


(١) أي: بينهم صدر نقي من الغل والخداع، مطوي على الوفاء بالصلح، وقيل: أراد أن بينهم موادعة ومكافة عن الحرب، تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم إلى بعض. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٣٢٧).
(٢) يقال: غلَّ فلان كذا؛ إذا اقتطعه ودسه في متاعه؛ وسلَّ البعيرَ في جوف الليل؛ إذا انتزعه من بين الإبل؛ وهما كناية عن الخيانة والسرقة، وقيل: الإغلال: لبس الدروع، والإسلال: سل السيوف. انظر: "الفائق" للزمخشري (٣/ ٧١).
(٣) الرَّسَفان: مشيُ المقيَّدِ. انظر: "الصحاح" للجوهري (٤/ ١٣٦٤).