العاصِ حين دخَلَ مكةَ أو قَبْلَ أنْ يدخُلَها، فنزلَ عن دابَّته، وحمَلَه بين يديه، ثم رَدِفَه وأجارَه حتى بلَّغَ رسالةَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لعثمانَ حين فرَغَ مِن رسالة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم: إنْ شئتَ أنْ تطوفَ بالبيت فطُفْ به، قال: ما كنتُ لِأفعلَ حتى يطوفَ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واحتبَسَتْه قريشٌ عندها، فبلَغَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين أنَّ عثمانَ قد قُتِلَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين بلَغه ذلك:"لا نبرَحُ حتى نُناجِزَ القومَ"، ودعا الناسَ إلى البَيْعة، فكانت بَيْعةُ الرِّضوان تحت الشجرة.
وكان الناس يقولون: بايعَهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الموت.
وكان جابر بن عبد اللَّه يقول: إنما بايعَنا على أنْ لا نَفِرَّ.
فبايعَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- [الناس]، ولم يتخلَّفْ عنه أحدٌ مِن المسلمين إلا الجَدَّ بن قيس، ثم بلَغَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ ما ذُكِرَ له مِن أمرِ عثمانَ باطلٌ، ثم بعثَتْ قريشٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُهيلَ بن عمرو، فقالوا له: ائتِ محمدًا فصالِحْه، ولا يكونُ في صلْحِه إلَّا أنْ يرجِعَ عنا عامَه هذا، فواللَّهِ لا تَحَدَّثُ العربُ أنه دخلَها علينا عَنْوةً أبدًا.
قال: فأقبلَ سُهَيلٌ، فلما رآه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"قد سَهُلُ عليكم أمرُكم، وما أرادَ القومُ إلا صُلْحًا"، فلما انتهى سُهَيلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تكلَّمَ، فأطالَ الكلامَ، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصُّلْحُ، فلما التَأَمَ الأمرُ دعا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليَّ بنَ أبي طالب رضي اللَّه عنه لِيَكْتُبَ كتابَ الصلْحِ (١)، فكتب:"بسم اللَّه الرحمن الرحيم"، فقال سُهيلٌ: إنا لا نعرِفُ الرَّحمنَ، فاكتُبْ ما نعرِفُ، اكتُبْ:(باسمكَ اللَّهُمَّ)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتُبْ: باسمكَ اللَّهُمَّ"، قال: فكتبتُها، ثم قال:"اكتُبْ هذا ما صالحَ عليه رسولُ اللَّهِ سُهيلَ بنَ عمرو"، فقال سُهيلٌ: لو عَلِمْنا أنَّكَ رسولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ